للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أثرُ المعتقدِ في التَّفسير اللُّغويِّ في كتابِ تهذيبِ اللُّغةِ:

لقدْ رسمَ الأزهريُّ (ت:٣٧٠) لنفسِه في تدوينِ اللُّغةِ منهجاً يتَّسِمُ بالحيطةِ في النَّقلِ، والاعتمادِ على الموثوقِ بهم من أهلِ اللُّغةِ عنده، ولا غَرْوَ أنْ يكونَ احتياطُه في نقلِ اللُّغةِ التي يكونُ لها أثرٌ في المعتقد محطَّ اهتمامِه، وهو كما يظهرُ من كتابِه يسيرُ على منهجِ السَّلفِ في الاعتقادِ، ومما جاءَ في ذلكَ، قولُه: «قالَ (١): وتقولُ العربُ: سَمِعَتْ أُذُني زيداً يفعلُ كذا؛ أي: أبصرْتُهُ بعيني يفعلُ ذاكَ (٢).

قلتُ: لا أدري من أين جاءَ اللَّيثُ بهذا الحرفِ، وليسَ منْ مذاهبِ العربِ أنْ يقولَ الرجلُ: سَمِعَتْ أُذُني، بمعنى: أبصرتْ عيني، وهو عندي كلامٌ فاسدٌ، ولا آمنُ أنْ يكون ممَّا ولَّده أهلُ البدعِ والأهواءِ، وكأنه من كلامِ الجَهْمِيَّةِ» (٣).

ولقدْ كانَ أثرُ اعتقادِ الأزهريِّ (ت:٣٧٠) المتَّبِعِ للسَّلفِ الصَّالحِ ظاهراً في كتابِه، سواءٌ أكانَ ذلكَ في تقريرِه لمعتقدهم في الأسماءِ والصِّفاتِ (٤)،


(١) يقصد الليث بن المظفر.
(٢) في كتاب العين (١:٣٤٨) ما نصُّه: «وتقولُ: سَمِعَتْ أُذني زيداً يفعلُ كذا؛ أي: سَمِعْتُهُ، كما تقولُ: أبصرَتْ عيني زيداً يفعلُ كذا وكذا؛ أي: أبصَرْتُ بعيني زيداً». وهذا الكلامُ صحيحٌ، وما في تهذيبِ اللغة كلامٌ محرَّفٌ، ولا يبعد أن تكون النسخة التي اعتمدها الأزهري فيها من هذا التحريفِ الذي جعله لا يعتدُّ بكتاب العين، وجعله ينسبه لليث بدلاً عن الخليل، والأزهري رحمه الله، كان كثير التحامل على الليث، وسبب ذلك عنده: أنَّ الليث لم يكن يتوثَّقُ من روايته، كما ذكره في مقدمته لكتابه تهذيب اللغة (١:٢٨)، وفي هذا بحثٌ ليسَ هذا محلُّه، ينظر في ذلك مقدمة محققي كتاب العين (١:١٩ - ٢٧).
(٣) تهذيب اللغة (٢:١٢٣). وينظر: (٢:٢٤٣).
(٤) ينظر مثلاً: (٢:١٢٤، ٣٠٣)، (٥:١١٢، ١٩٨، ٢٢٠)، (٩:٤٥ - ٤٦)، (١١: ١٨٥، ٤٥٨)، (١٢:١٥٠)، (١٤:٣٧١)، وغيرها.

<<  <   >  >>