للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإمامة والغيبياتِ وغيرها، فمن رامَ الحُكمَ على عالمٍ في مُعْتَقَدِه من خلالِ مثالٍ أو مثالين، وقعَ في الزَّللِ، وهذا بحثٌ يحتاجُ إلى تفصيلٍ ليسَ هذا محلُّه، واللهُ الموفقُ.

أمَّا ما وردَ عنه في إثبات معتقدِ السَّلفِ، فمنه:

١ - قالَ: «والسَّميعُ من صفاتِ اللهِ وأسمائِه. وهو الَّذي وسِعَ سمعُهُ كُلَّ شيءٍ؛ كما قالَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم (١).

قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: ١]، وقالَ في موضعٍ آخرَ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} [الزخرف: ٨٠].

قلتُ: والعَجَبُ من قومٍ فسَّرُوا السَّميعَ بمعنى المُسمِعِ، فراراً منْ وصفِ اللهِ بأنَّ له سمعاً.

وقدْ ذكرَ اللهُ الفعلَ في غيرِ موضعٍ من كتابِه، فهو سميعٌ: ذو سَمْع، بلا تكييفٍ ولا تشبيهٍ بالسَّميعِ من خلقِهِ، ولا سمعُهُ كسمعِ خلقِهِ. ونحنُ نَصِفُهُ بما وصفَ به نفسَهُ بلا تحديدٍ ولا تكييفٍ.

ولستُ أُنكِرُ في كلامِ العربِ أنْ يكونَ السَّميعُ سامعاً، ويكونَ مُسمِعاً، وقد قالَ عمرو بن مَعْدِي كَرِبَ (٢):

أَمِنْ رَيَحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ


(١) أخرجه أحمد في مسنده (٦:٤٦)، وابن ماجه، المقدمة ١٣. وقد صحَّ عن عائشة رضي الله عنها قولها: «الحمد الله الذي وَسِعَ سمعه الأصواتَ». أخرجه جماعة، منهم البخاري في باب: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} في كتاب التوحيد من صحيحه، ينظر: فتح الباري، ط: الريان (١٣:٣٨٤).
(٢) عمرو بن مَعْدِي كَرِبَ، أبو ثور، الزُّبيدي، شاعرٌ، فارسٌ مخضرمٌ، أسلم، ثمَّ ارتدَّ، ثمَّ عاد إلى الإسلامِ، وشهِدَ فتوح فارس، وأبلى فيها بلاءً حسناً، توفي سنة (٢١). ينظر: معجم الشعراء المخضرمين والأمويين (ص:٣٣٨ - ٣٣٩)، ومعجم الشعراء (ص:١٩٥ - ١٩٦).
والبيت مشهور، وهو في ديوانه، جمع: مطاع الطرابيشي (ص:١٤٠).

<<  <   >  >>