للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الأصمعيُّ (ت:٢١٥): «جاءَ عمرُو بنُ عُبَيدٍ إلى أبي عمرِو بنِ العلاءِ، فقالَ: يا أبا عمرو، يُخلِفُ اللهُ وَعْدَهُ؟

قالَ: لا!

قال: أفرأيتَ إنْ وَعَدَهُ على عملٍ عقاباً، يُخلِفُ وَعْدَهُ؟

فقال أبو عمرٍو: منَ العُجمةِ أُتِيتَ يا أبا عثمانَ. إنَّ الوعدَ غيرُ الوعيدِ، إنَّ العربَ لا تَعُدُّ خُلفاً ولا عاراً أن تَعِدَ شراً ثمَّ لا تفعلُه، ترى ذلكَ كرماً وفضلاً، وإنما الخُلْفُ أنْ تَعِدَ خيراً ثُمَّ لا تفعَلُهُ.

قالَ: فأوجدني هذا في كلامِ العربِ.

قالَ: أما سمعتَ إلى قولِ الأوَّلِ:

لا يَرْهَبُ ابنُ العَمِّ ما عِشْتُ صَولَتِي ... وَلاَ أخْتَشِي مِنْ خِشْيَةِ المُتَهَدِّدِ

وإنِّي إذَا أَوْعَدْتُهُ وَوَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي» (١)

ووردتْ هذه الحادثةُ في (طبقاتِ المعتزلةِ) وجاء فيها بعد ذلك: «قال


= يمدهم بذلك؛ لأن من الكرم والفضل تناسي الوعيد، وأنشدنا أبو العباس وغيره من البصريين عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء: أنه احتج على عمرو بن عبيد في الوعد والوعيد من الله عزّ وجل بقول الشاعر:
وإني إذا وعدته أو أوعدته ... لأخلف إيعادي وأنجز موعدي»
(١) تاريخ بغداد (١٢:١٧٥ - ١٧٦). وقد وردت هذه الحكاية في كثير من كتب التراجم والأدب على هذا النحو، ووجدت في كتاب طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار (ص:٢٩٣ - ٢٩٤)، زيادة في صحتها شكٌّ، وقد جاءت بصيغة التمريض: «يقال إنَّ عمرو بن عبيد قال لأبي عمرو: شغلك الإعراب عن معرفة الصواب. إن الله يتعالى عن الخُلْفِ، والشاعر يقول الشيء وخلافه، فهلاَّ قلت في إنجاز الوعيد ما قال الشاعر:
إنَّ أبا ثابت لمجتمع ... الرأي شريف الإباء والبيت
لا يخلف الوعد والوعيد ولا ... يبيت من ثاره على فوت
فسكت أبو عمرو». وقد بحثت عن هذين البيتين، فلم أجدهما، والشَّكُّ قائم في توليدهما لأجل نُصرة مذهبهم في الوعد والوعيد.

<<  <   >  >>