للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: ٥٢]، وبقوله: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ} [يوسف: ٢٥]. وابنُ عباسٍ ومنْ دونَهُ لا يختلفونَ في أنَّه هَمَّ بها، وهُم أعلمُ باللهَ، وبتأويلِ كتابِهِ، وأشدُّ تعظيماً للأنبياءِ، منْ أنْ يتكلَّمُوا فيهم بغيرِ علمٍ» (١).

وقالَ أبو جعفرَ النَّحَّاسُ (ت:٣٣٨): «وكلامُ أبي عبيدٍ هذا كلامٌ حَسَنٌ بيِّنٌ لمنْ لَمْ يَمِلْ إلى الهَوَى ...» (٢).

وقال أبو بكرٍ بنِ الأنباريِّ (ت:٣٢٨): «والذي نذهبُ إليه ما أجمعَ عليه أصحابُ الحديثِ وأهلِ العلمِ، وَصَحَّتْ به الروايةُ عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضوانُ اللهِ عليه، وابنِ عباس رحمه الله، وسعيدِ بنِ جبيرٍ، وعكرمةَ، والحسنِ، وأبي صالحٍ، ومحمدِ بنِ كعبٍ القُرَظَيِّ، وقتادةَ، وغيرِهم، منْ أنَّ يوسفَ عليه السلام هَمَّ هَمًّا صحيحاً على ما نَصَّ اللهُ عليه في كتابِهِ، فيكونُ الهَمُّ خطيئةً من الخطايا وقعت من يوسف عليه السلام كما وقعتِ الخطايا من غيرِه منَ الأنبياءِ.

ولا وَجْهَ لأنْ نُؤَخِّرَ ما قَدَّمَ اللهُ، ونُقَدِّمَ ما أخَّرَ الله، فيقالُ: معنى: وَهَمَّ بها: التأخيرُ مَعَهُ (٣) قولُ اللهِ عزّ وجل: {لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}، إذ كانَ الواجبُ علينا واللازمُ لنا أنْ نَحْمِلَ القرآنَ على لفظِهِ، وألاَّ نُزِيلَهُ عنْ نَظْمِهِ، إذا لم تَدْعُنَا إلى ذلكَ ضَرُورَةٌ، وما دَعَتْنَا إليه في هذه الآيةِ ضَرُورَةٌ.

فإذا حَمَلْنَا الآيةَ على ظاهرِها ونَظْمِهَا كانَ {وَهَمَّ بِهَا} معطوفاً على {هَمَّتْ بِهِ} و {لَوْلاَ} حرفٌ مبتدأٌ، جوابُهُ محذوفٌ بعدَهُ، يُرادُ به: لولا أنْ رأى برهانَ ربِّه لَزَنَا بها بعد الهَمِّ، فلمَّا رأى البرهانَ زَالَ الهَمُّ وَوَقَعَ الانصرافُ عنِ العَزْمِ.


(١) معاني القرآن، للنحاس (٣:٤١٣).
(٢) معاني القرآن، للنحاس (٣:٤١٣)، ولكلامه تتمة.
(٣) قال محقق الكتاب محمد أبو الفضل إبراهيم: «كذا في الأصل، ولعلَّ الصواب: عن».
ينظر: الأضداد، لابن الأنباري (ص:٤١٣).

<<  <   >  >>