للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: أُسْكُتْ. ما أنت وهذا؟ لا يقالُ: استولى على الشَّيءِ إلاَّ أنْ يكونَ له مُضَادٌّ، فإذا غَلَبَ أحدُهما، قيل: استولى، أما سمعتَ النَّابغةَ (١):

ألا لِمِثْلِكَ أوْ مَنْ أنْتَ سَابِقُهُ

سَبْقَ الجَوَادِ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى الأمَدِ» (٢)

وهذا احتجاجٌ عقليٌّ يَرُدُّ به ابنُ الأعرابيِّ (ت:٢٣١) على هذا الذي زعمَ أنَّ معنى استوى: استولى.

والمقصودُ أنَّ هذا المعنى الذي اخترعَه مخترعٌ ليسَ من لغةِ العربِ، ولا يجوزُ أنْ يُفَسَّرَ به القرآنُ.

ولذا أنكرَ العلماءُ العارفونَ هذا المعنى، ونَصَّ بَعضُهم على أنَّ البيتَ مما لا يصحُّ الاحتجاجُ به؛ كالخطابي (ت:٣٨٨) الذي قالَ: «وزعم بعضُهم: أنَّ استوى هاهنا بمعنى: الاستيلاءِ، ونَزَعَ إلى بيتٍ مجهولٍ لم يقلْه شاعرٌ معروفٌ يصحُّ الاحتجاجُ بقولِه. ولو كانَ الاستواءُ هاهنا بمعنى: الاستيلاءِ، لكانَ الكلامُ عديمَ الفائدةِ؛ لأنَّ الله تعالى قد أحاطَ علمُه وقدرتُه بكلِّ شيءٍ وكلِّ قُطْرٍ وبقعةٍ من السَّموات والأرضينَ وتحتَ العرشِ، فما معنى تخصيصُه العرشَ بالذِّكرِ. ثمَّ إنَّ الاستيلاء إنما يتحقَّقُ معناه عندَ المنعِ منَ الشَّيءِ، فإذا وقعَ الظَّفَرُ به قيل: استولى عليه، فأيُّ منعٍ كانَ هناكَ حتى يُوصَفَ الاستيلاءُ بعدَه؟» (٣).


(١) زياد بن معاوية، المعروف بالنابغة الذبياني، شاعر جاهلي، صاحب أحد المعلقات، وكان شاعراً في بلاط الغساسنة والمناذرة، واختص بأبي قابوس النعمان بن المنذر، توفي (نحو ١٨ ق هـ). ينظر: معجم الشعراء الجاهليين (ص:٣٥٦ - ٣٥٩)، ومعجم الشعراء (ص:٢٦٦ - ٢٦٧).
والبيت في ديوانه، تحقيق: محمد الطاهر بن عاشور (ص:٨٢)، والأمد: نهايةُ السِّباق.
(٢) أصول اعتقاد أهل السنة (١:٣٩٩)، وقد رواه علي بن مهدي الطبري صاحب الأشعري، عن نفطويه، عن أبي سعيد، عن ابن الأعرابي، ينظر في بيان تلبيس الجهمية (٢:٣٣٦).
(٣) مختصر الصواعق المرسلة (ص:٣٢١).

<<  <   >  >>