للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: ٦٠]» (١).

لقدْ كانَ في غيابِ قضيةِ الاحتجاجِ بتفسيرِ الصَّحابةِ وغيرِهم منَ السَّلفِ عندَ اللغويين ما يظهر مثل هذه الاعتراضات على بعض تفسيراتهم، ولو استفاد اللُّغويُّونَ من تفسيراتِهم في ثبوتِ دلالة بعض الألفاظِ في اللُّغةِ لوجدوا في ذلكَ علماً كثيراً وشواهدَ لغويَّةً كافيةً.

ولقدْ كانَ اللُّغويُّونَ ـ فيما يبدو ـ يجعلونَ مفسِّري السَّلفِ قَسِيماً لهم في علمِ التَّفسيرِ، مما يدلُّ على ذلك أنهم في نقلِ الأقوالِ في تفسيرِ الآيةِ يجعلونَ أهلَ التَّفسيرِ صنفاً مقابلاً لأهل اللُّغةِ، فيقولون: قالَ أهلُ التَّفسيرِ .. ، وقالَ أهلُ اللُّغةِ (٢) ... ، أو ينصونَ على أقوالِ بعضِ اللُّغويِّين.

ولقد أشارَ بعضهم على أنَّ أهلِ التَّفسِير لا يؤخذُ بتفسيراتهم اللُّغويِّةِ في ثبوتِ معنى اللفظِ في اللُّغةِ، بلْ يقْبَلُونَه منهم على أنَّه تفسيرٌ، وليسَ على أنَّه من اللُّغةِ.

ومنْ ذلكَ ما وَرَدَ عن ثعلب (ت:٢٩١): «قال أبو عَمْرٍو (٣): سمعتُ أبا موسى الحَامِضَ (٤) يسألُ أبا العباسِ عن قولِه: {فَضَحِكَتْ} [هود: ٧١]؛ أي: حاضت، وقالَ: إنه قدْ جاءَ في التَّفسيرِ.


(١) حواشي ابن بري وابن ظفر على درة الغواص في أوهام الخواص، تحقيق: د. أحمد طه حسانين سلطان (ص:١٢٦ - ١٢٧). وقد نُقِلَ قوله باختصارٍ في لسان العرب، مادة (رأى)، وقد ذهب البطليوسي إلى ما ذكره ابن بري. ينظر له: الاقتضاب شرح أدب الكتاب (٢:١٤٩)، وينظر شرح درة الغواص، للشهاب الخفاجي (ص:١٤٢).
(٢) ينظر ـ على سبيل المثال ـ: معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (٣:٤٠٤، ٤٢٣)، (٤:٥٢، ٦٢، ٦٧، ١٠٣)، (٥:٣٢٠، ٣٣٠، ٣٣٣)، وتهذيب اللغة (٨:٤٣٢)، (١٤:٢٤٣، ٢٥٦).
(٣) كذا ورد في تهذيب اللغةِ وفي لسان العربِ، مادة (ضحك). ولم أعرف من هو، ويحتمل أنه تصحَّف عن «أبي عمر»، وهو أبو عمر الزاهد، المعروف بغلام ثعلب، وقد أخذ عنهما كما في ترجمة ثعلب في إنباه الرواة (١:١٧٤)، وفي ترجمة أبي موسى الحامض في إنباه (٢:٢١). ثم طبع كتاب ياقوتة الصراظ لأبي عمر الزاهد (ص:٢٦٦ - ٢٦٩)، وفيه هذا النقل، وبه ظهر لي أنه أبو عمر، وأن ما في تهذيب اللغة المطبوع تصحيف، وتحقيق تهذيب اللغة فيه تصحيف كثير.
(٤) سليمان بن محمد بن أحمد، أبو موسى النحوي، المعروف بالحامض، أخذ عن

<<  <   >  >>