للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الماعونِ (١)، يعني أنَّ بعضَهم قالَ: الزَّكاةُ، وقال بعضُهم: عاريةُ المتاعِ.

قالَ: وقالَ عكرمةُ: الماعونُ: أعلاهُ الزَّكاةُ، وعاريةُ المتاعِ منه (٢).

قالَ إسحاقُ: وجَهِلَ قومٌ هذه المعاني، فإذا لم توافقِ الكلمةُ الكلمةَ قالوا: هذا اختلافٌ. وقدْ قالَ الحسنُ ـ وذُكِرَ عنده الاختلافُ في نحوِ ما وصفْنا، فقالَ ـ: إنما أُتِيَ القومُ من قِبَلِ العُجْمَةِ (٣)» (٤).

ولعلَّ في هذا المثالِ العزيزِ ما يدلُّ على ظهورِ هذه المسألةِ عندَ علماءِ السَّلَفِ، وأنهم كانوا يَعُونَهَا جيداً، حيثُ جعلوا هذه المحتملاتِ الواردةِ على النَّصِّ مقبولةً، ولم يَرُدُّوها. وقد تتابعَ على ذلكَ منْ جاءَ بعدَهم، وسأذكرُ أمثلةً منْ تطبيقاتِهم، تدلُّ على إعمالِهم لهذِه القاعدةِ:

١ - أوردَ يحيى بنُ سلام (ت:٢٠٠) في تفسيرِ لفظِ «ناكبون» من قولِه تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [المؤمنون: ٧٤] تفسيرَ قتادةَ (ت:١١٧)، قال: «لجائرون».

وتفسيرَ الحسنِ (ت:١١٠)، قال: «تاركون له».

وتفسير الكلبي (ت:١٤٦)، قال: «معرضون عنه».

ثمَّ قال يحيى (ت:٢٠٠) وهو واحدٌ (٥).


(١) في قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧].
(٢) ينظر أقوال السلف في ذلك في تفسير الطبري، ط: الحلبي (٣٠:٣١٤ - ٣١٩).
(٣) أخرج البخاري هذا القول عن الحسن البصري بأخصر من ذلك، قال: «أهلكتهم العجمة» ينظر: التاريخ الكبير (٥:٩٣).
(٤) السنة، لمحمد بن نصر المروزي (ص:٧ - ٨).
(٥) نقلاً عن كتاب: التفسير واتجاهاته بأفريقية من النشأة إلى القرن الثامن، للدكتورة وسيلة بلعيد بن حمده (ص:١١٥).
وقد ذكر هذه الأقوال الماورديُّ في تفسيره، فقال: «... فيه أربعة تأويلاتٍ:
أحدها: لعادلون، قاله ابن عباس. والثاني: لحائدون، قاله قتادة. والثالث: لتاركون، قاله الحسن. والرابع: لمعرضون، قاله الكلبي. ومعانيها متقاربةٌ». النّكَتُ والعيون (٤:٦٣).

<<  <   >  >>