للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا جعلَ بعضُ العلماءِ الإِلَّ نظيرَ ما وردَ في بعضِ الأسماءِ الأعجميَّةِ؛ كجبريلَ، وميكائيلَ، قال أبو مِجْلَزٍ (ت:١٠٦) في تفسيرِه لمعنى الإلِّ: «مثل قولِه: جبرائيلَ، ميكائيلَ، إسرافيلَ ـ كأنه يقولُ: يضيفُ جَبْرَ، ومِيكَا، وإسْرَافَ، إلى إيل ـ يقول: عبد الله، {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ} [التوبة: ١٠]؛ كأنه يقول: لا يرقبونَ اللهَ» (١).

وفيما وردَ عنْ أبي بكرٍ في خبرِ مُسَيلمَةَ الكذَّابِ، قولُه: «ما خرجَ هذا منْ إلٍّ» (٢)، قال أبو عُبَيدٍ (ت:٢٢٤): «قوله: من إلٍّ؛ يعني: من ربٍّ. ويُروى عن الشَّعْبِيِّ أنَّه قالَ في قولِه تعالى: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} [التوبة: ١٠]، قالَ: اللهُ، أو قالَ رَبّاً. ومِمَّا يُبَيِّنُ هذا، قولُه: جَبْرَئلَّ، ومِيكَائلَّ، إنَّمَا أُضِيفَ جَبْرَ ومِيكَا إلى إلَّ» (٣).

وأقلُّ ما يقالَ إنَّ هذا الاسمَ؛ أعني: الإلَّ، مِمَّا عُرِّبَ، فصارَ كغيرِه مِنَ الأعلامِ المعرَّبَةِ، قالَ الأزهريُّ (ت:٣٧٠): «وقالَ (٤): وإيلُ: اسمٌ مِنْ أسماءِ اللهِ بالعِبْرَانِيَّةِ (٥).


(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١٤:١٤٦).
(٢) ذكر هذا الأثر: أبو عبيد في غريب الحديث (٤:١٢٧)، وعنه أبو عبيد الهروي في الغريبين (١:٧٢)، كما ذكره ابن دريد في الجمهرة (١:٥٩)، وأبو علي القالي في أماليه (١:٤١)، وأسنده الطبري في تاريخه إلى ابن إسحاق (٢:١٥٠).
(٣) غريب الحديث (٤:٢١٨)، وينظر مثله قول أبي علي القالي في أماليه (١:٤١).
(٤) يظهرُ أنَّ النقلَ هنا عن أبي عبيد؛ لأنه نقل عنه قبل هذا الموضع كثيراً من الفقرات، وكان يعطفها على قوله: «قال أبو عبيد». ينظر: السطر (٦) من (ص:٤٣٥).
(٥) هاهنا موضوع طويل يتعلق بأصل اللغات، وسأذكره مجتزءاً، فأقول: إنَّ العبرانيين لم يكن لهم لغة مميزة، بل كانت لغة خليطةً من عدَّة لغات، كما يظهر من تاريخهم، فهم أبناء إبراهيم الذي خرج من أرض العراق إلى بادية الشام، وفيها عاش أبناؤه وأحفاده إلى وقت خروجهم إلى مصر في عهد يوسف كما يدلُّ عليه قوله تعالى: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف: ١٠٠]. وكانت فلسطين وبادية الشام وجنوبها من الصحراء للعربِ، كما كانت مصر كذلك لهم في هذا الوقت، ولا شكَّ أنهم سيتأثرون بلغة جدهم الأصلية، وباللغات المجاورة لهم وهي العربية الشامية، ثم العربية المصرية، فتكونت لهم لغة خاصةٌ، إن قيل بعزلتهم عن غيرهم. =

<<  <   >  >>