للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحتملاتِ، أو أنْ يكونَ بعضُها أغلبَ وأشهرَ في مدلولِ اللَّفظِ، أو غيرُ ذلك.

وليسَ في هذا خروجٌ عنِ الأصلِ؛ لأنَّ العملَ هنا على تقديمِ الأولى في معنى الآيةِ، وليسَ على إبطالِ غيرِه، ولو أعْمَلَ أحدٌ جميعَ هذه المعاني المحتملةِ، لكانَ مذهباً معروفاً ولا مَلاَمَةَ في ذلك. والله أعلم.

مثالُ ذلك، ما ورد في قوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا} [النبأ: ٢٤]، أي: لا يذوقونَ في النَّارِ ـ والعياذُ باللهِ منها ـ ما يُبَرِّدُ عليهم حرارتَها (١)، سواءً أكانَ ذلك التَّبريدُ بسببِ الماءِ أو الهواءِ الباردِ، وهذا هو المعنى المشهورُ في اللُّغةِ للبردِ.

وقد وردَ قولٌ آخرُ في معنى البردِ، وهو النَّومُ، رواه ابن أبي حاتم (ت:٣٢٧) عن مُرَّةَ الطَّيِّبِ (ت:٧٦) (٢)، ونقلَهُ عنْ مجاهدٍ (ت:١٠٤) أيضاً (٣)، وهو قولُ أبي عبيدة (ت:٢١٠) (٤)، وتبعَهُ ابن قتيبة (ت:٢٧٦) (٥)، وقالَ به غيرُهم (٦).

وإذا تأمَّلتَ هذين المعنيينِ وجدتَهما متناسبينِ مع السياقِ:


(١) قال الماورديُّ في تفسيره (٦:١٨٧): «أنه برد الماء وبرد الهواء، وهو قول كثير من المفسرين».
(٢) مُرَّةُ بنُ شَرَاحِيلَ الهمْدانيُّ، أبو إسماعيل الكوفي، روى عن: أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وغيرهم، وعنه: السُّدِّيُّ والشَّعبيُّ وغيرهما، ثقةٌ عابدٌ، لُقِّبَ بالطَّيِّبِ لكثرةِ عبادته، توفِي سنة (٧٦). ينظر: تهذيب الكمال (٧:٦٩ - ٧٠)، وتقريب التهذيب (ص:٩٣٠).
(٣) ينظر: تفسير ابن كثير، تحقيق: السلامة (٨:٣٠٧).
(٤) مجاز القرآن (٢:٢٨٢).
(٥) تفسير غريب القرآن (٥٠٩).
(٦) نسبَه الماورديُّ في تفسيره (٦:١٨٧) إلى السُّدِّيِّ، ونسبه ابن كثير في تفسيره (٨:٣٠٧) إلى الكسائيِّ، ونسبه أبو المظفر السَّمعاني في تفسيره (٦:١٣٩) إلى ثعلب.

<<  <   >  >>