للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد حاولتْ تلميذتُه في هذا المنهجِ الدكتورة عائشة عبد الرحمن، المعروفة ببنت الشاطئ، حاولت أن تُطبِّقَ هذا المنهج، فظهرَ جليًّا ازدراءُ هذا المنهجِ للمصادرِ الأخرى في التَّفسيرِ، وإليكَ هذا المثالُ الذي يوضِّحُ ذلك:

وفي تفسير سورة الضُّحى، تقول بنتُ الشَّاطئ ـ بعد أن ساقت الرِّواياتِ في سبب النُّزولِ ـ «ولا نقفُ عند ما اختلفوا فيه، فأسبابُ النُّزولِ لا تعدو أن تكونَ قرائنُ مما حولَ النَّصِّ، وهي باعترافِ الأقدَمينَ أنفسهم لا تخلو من وهمٍ، والاختلافُ فيها قديمٌ، وخلاصةُ ما انتهى إليه قولهم في أسباب النُّزولِ: أنها ما نزلت إلاَّ أيَّامَ وقوعهِ، وليسَ السَّببُ فيها بمعنى السببيَّةِ الحُكميَّةِ العلِّيَّةِ» (١).

فانظرْ عدمَ اعتدادِها بما يحفُّ النَّصَّ من ملابساتٍ، وعدمَ تحريرها في أسبابِ النُّزولِ، وعدمَ فهمِها لها، ويظهر ذلك بهذه النتيجةِ التي وصلتْ إليها في الحكم على ما توصَّل إليه الأقدمونَ بزعمِها.

وإذا قرأتَ في ما كتبته في التَّفسيرِ الأدبيِّ، ظهرَ لك جليًّاً أنَّ هذه الدِّراسةَ لا تعتدُّ إلاَّ بما تتوصَّلُ إليه هي، معتمدةً على اللُّغةِ في تحليلِ ألفاظِ الآيِ، غير آبِهةٍ بمصادر التَّفسيرِ الأخرى، فلا تجد عندها إلاَّ الإزراء بتفاسيرِ السَّلفِ ونقدها، ومن ذلك أنها ذكرت ما ورد في تفسيرِ قوله تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: ٢]، ثُمَّ قالتْ: «واستعمالُ الزِّيارةِ بهذا المعنى صريح الإيحاءِ بأنَّ الإقامةَ في القبر ليست دائمةً، وإنما نحن فيها زائرون، والزائرُ غيرُ مقيمٍ، وسوف تنتهي الزِّيارةُ حتماً إلى بعثٍ وحسابٍ وجزاءٍ، وهذا الإيحاءُ ينفردُ به لفظُ «زرتُم» دونَ غيرِه، فلا يُمكنُ أن يؤدِّيه لفظٌ آخرُ؛ كأن يقال: صرتم، أو رجعتم، أو انتهيتم، أو أُبتم، أو أُلتم.

وليس القبرُ المصيرَ والمرجعَ والمآبَ والمآل، كما لا يقال: سكنتم


(١) التفسير البياني للقرآن الكريم (١:٢٣).

<<  <   >  >>