للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال لي: أكذلك تقولُ يا ابن عباس؟

فقلتُ: لا.

قالَ: فما تقولُ.

قلتُ: هو أجلُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه الله له، قال: إذا جاء نصرُ الله والفتحُ، وذلك علامةُ أجلكَ، فسبِّح بحمدِ ربك واستغفره إنه كان توَّاباً.

فقال عمرُ: ما أعلمُ منها إلاَّ ما تقولُ» (١).

ومن أمثلةِ التفسيرِ على القياسِ ما ورد في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمُ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: ٥] إنها نزلتْ في الخوارجِ (٢).

وإذا نظرتَ إلى سياقِ الآيةِ، وجدتَ أنه في الحديثِ عن بني إسرائيل، كما أنَّ الخوارجَ لم يكونوا عند نزول هذه الآياتِ، وإنما أرادَ المفسِّرُ أنْ يُنِّبه إلى دخولِ الخوارجِ في حكمِ هذه الآيةِ، وأنهم مثالٌ لقومٍ مالوا عن الحقِّ، فأمالَ اللهُ قلوبهم جزاءً وفاقاً لميلِهم، على سبيلِ القياسِ بأمرِ بني إسرائيلَ.

وعلى هذا يُقاسُ ما وردَ عن السلفِ في حكايةِ نزولِ بعض الآياتِ في أهلِ البدعِ، أنهم أرادوا التنبيه على دخولهم في حكم الآيةِ، واللهُ أعلمُ.


(١) أخرجه عنه جماعة من العلماء، منهم البخاري في كتاب التفسير من صحيحه، ينظر: فتح الباري (٨:٦٠٦ - ٦٠٧).
وقال ابن حجر في شرحه لهذا الأثر: «وفيه جوازُ تأويلِ القرآنِ بما يُفهمُ من الإشاراتِ، وإنما يتمكَّنُ من ذلك من رَسخت قدمُه في العلمِ، ولهذا قال عليٌّ رضي الله تعالى عنه: أو فهَماً يؤتيه اللهُ رجلاً في القرآنِ». فتح الباري (٨:٦٠٨ - ٦٠٩).
(٢) ورد ذلك عن أبي أمامة، ينظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٨:٨٦ - ٨٧).

<<  <   >  >>