للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عباسٍ (ت:٦٨): «إنْ شئتَ مقبلةً، وإنْ شئتَ مدبرةً، وإن شئتَ باركةً، وإنما يعني بذلكَ موضعَ الولدِ للحرثِ، يقول: ائتِ الحرثَ حيثُ شئتَ» (١).

وهذا يُفهمُ منه ما سبقَ من أنَّ المرادَ كيفَ شئتَ، والله أعلمُ.

وبعد هذا، فإذا وردَ في تفسيرِ لفظٍ، تفسيرٌ على اللَّفظ وتفسيرٌ على المعنى، فإنَّ هذا لا يعني وجودَ التَّعارضِ بينهما، وهذا هو المقصودُ بهذه القاعدةِ، وأنَّ وُجُودَ الاختلافِ بينهما إنما هو بسببِ نظر المفسِّرِ، فالأول نظرَ إلى أصل الوضعِ، والثاني نظر إلى المعنى المرادِ دونَ التَّقيُّدِ بتفسيرِ الألفاظِ على وضعها في الأصلِ، والله أعلم.

وقد نصَّ الشَّاطبيُّ (ت:٧٩٠) على هذا في ذكرِه لأمثلةِ الخلافِ الذي لا يُعتدُّ به، فقال: «أنْ يُذكرَ أحدُ الأقوالِ على تفسيرِ اللُّغةِ، ويُذكرَ الآخرُ على التَّفسيرِ المعنويِّ، وفَرْقٌ بينَ تقريرِ الإعرابِ وتفسيرِ المعنى، وهما يرجعان إلى حكمٍ واحدٍ؛ لأنَّ النَّظرَ اللُّغويَّ راجع إلى تقريرِ أصلِ الوضعِ، والآخرُ راجعٌ إلى تقريرِ المعنى في الاستعمالِ؛ كما قال في قولِه تعالى: {وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة: ٧٣]؛ أي: المسافرين (٢)، وقيلَ: النَّازلينَ بالأرضِ القَوَاءِ (٣)، وهي القَفْرُ.

وكذلكَ قولُه: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} [الرعد: ٣١]؛ أي: داهية تفجؤهم (٤)،


(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (٤:٤٠٩).
(٢) قال به ابن عباس وقتادة والضحاك، ينظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٧:٢٠١ - ٢٠٢).
(٣) لم أجد من قال به، وهو أصل معنى القواء في اللغةِ، والمسافرُ في حالِ سفرِه يكونُ كأهل القواء، واللهُ أعلمُ.
(٤) هذا هو الأصل اللغوي، واللهُ أعلمُ.
وقد ورد عن مجاهد من طريق منصور: مصيبة من محمد صلّى الله عليه وسلّم، وعن ابن زيد: قارعة من العذاب. تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١٦:٤٥٨، ٤٥٩).
وفي الدر المنثور (٤:٦٥٥): عن ابن عباس: عذاب من السماء، وعنه أيضاً: نكبة.

<<  <   >  >>