للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وقع خلاف بين العلماء في ورود هذه العبارة عن الصحابي؛ هل تُعدُّ من أسباب النُّزول، أو من قبيل التفسير؟

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت٧٢٨هـ): «وقد تنازع العلماء في قول الصاحب: نزلت هذه الآية في كذا؛ هل يجري مجرى المسند؛ كما يذكر السبب الذي أنزلت لأجله، أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند؟ فالبخاري يدخله في المسند، وغيره لا يدخله في المسند، وأكثر المساند على هذا الاصطلاح؛ كمسند أحمد وغيره، بخلاف ما إذا ذكر سبباً نزلت عقبه، فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند» (١).

ومعنى هذا أن اختلافهم في عبارة (نزلت في كذا) دون عبارة (فنَزلت، فأنزل الله)، فهم يجعلون عبارة (فنَزلت، فأنزل الله) من قبيل المرفوع؛ لأنَّ سبب النُّزول يحكي حدثاً وقع في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لذا فهو من هذا القبيل.

أما عبارة (نزلت في كذا)، فبعضهم يجعلها من قبيل المرفوع؛ كالبخاري (٢)، وبعضهم يجعلها من قبيل التفسير؛ لكثرة ما ترد هذه العبارة عنهم، وهم يريدون بها أن ما يذكرونه يدخل في معنى الآية وحكمها، والله أعلم.

ومن أمثلة ما يرد من هذه العبارة في سبب النُّزول المباشر:

١ - ما رواه البخاري بسنده عن هشام بن عروة، قال: قال عروة: «كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحُمْس ـ والحمس قريش وما ولدت ـ وكانت الحمس يحتسبون على الناس يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها


(١) مجموع الفتاوى (١٣:٣٤٠).
(٢) الذي يدل على ذلك أنه يروي عن الصحابة موقوفات كثيرة في التفسير، لكن ما يرويه عنهم بهذه الصيغة يسنده، مما يدل على أنه داخل في المرفوع عنده، وأنه على شرطه، ومن ذلك ما رواه في تفسير سورة الأنفال، قال: «حدثني محمد بن عبد الرحيم حدثنا سعيد بن سليمان أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: سورة الأنفال قال: نزلت في بدر».

<<  <   >  >>