للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اطلبوا البِرَّ منْ أهلِه ووجهِه، ولا تطلبوه عندَ الجهلةِ المشركينَ» (١).

وهذا القول مخالف لسبب النُّزول، وإن كان جائزاً من جهة الاحتمال اللغوي، فالقائل به ربط هذا المقطع بالسؤال عن الأهلة في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: ١٨٩]، وجعل أن السؤال عن الأهلة إنما هو سؤال عن سبب بدوِّها هلالاً حتى تصير بدراً، وأن الله أرشدهم إلى ما هو أهم من مسألتهم، وهو بيان الفائدة المتعلقة بالشرع بالنسبة للأهلة، وهذا التخريج فيه نظر؛ لأنهم إنما سألوا عن علاقتها بالشرع، فجاء الجواب مطابقاً: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}.

وذهب آخر إلى أنَّ البيوتَ كنايةٌ عنِ النِّسَاءِ، ويكونُ المعنى: وأتوا النِّسَاءَ منْ حيثُ أمرَكم اللهُ، والعربُ تُسَمِّي المرأةَ بيتاً، قالَ الشاعرُ (٢):

مَا لِي إذَا أنْزِعُهَا صَأيتُ ... أكِبَرٌ غَيَّرَنِي أمْ بَيتُ

أراد بالبيتِ المرأةَ (٣).

وهذا التفسير مخالف للسياق، فالسياق لا علاقة له بكيفية إتيان النساء، ولو حُمِلت الآية عليه لكان في النظم تفكُّكاً ملحوظاً ينبو عنه نظم القرآن المعجز، إذ يكون المعنى: «يسألونك عن فائدة الأهلة لهم، قل هي مواقيت يوقتون بها عِدَدَهم من بلوغ الدين والإجارة وغيرها، ومواقيت للحج الذي هو من أركان الإسلام، وليس البر بأن تأتوا النساء من أدبارهن، ولكن البر من اتقى وأتاهن من قُبُلِهن».


(١) مجاز القرآن (١:٦٨).
(٢) الرجز بلا نسبة في عِدَّة مراجع: جمهرة اللغة (٢٤١، ٢٥٧)؛ وديوان الأدب، للفارابي (٣:٢٩٨)، وغيرها. وهو يصف دلواً إذا نزعها صأى؛ أي: سمع لنفسه صوتاً.
(٣) أمالي الشريف المرتضى (١:٣٧٨) وهو يُكثر من المحتملات الضعيفة، لغوية أو غيرها.

<<  <   >  >>