للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٧٧) وكما أنهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ فإنهم أيضًا يُضعِّفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم غلطه فيها بأمور يستدلون بها، ويسمون هذا «علم علل الحديث»، وهو من أشرف علومهم بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط وغلط فيه، وغلطُه فيه عُرِفَ؛ إما بسببٍ ظاهرٍ؛ كما عرفوا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو حلال، وأنه صلَّى في البيت ركعتين، وجعلوا رواية ابن عباس لتزوجها حرامًا، ولكونه لم يصلِّ = مما وقع فيه الغلط، وكذلك أنه اعتمر أربع عمر، وعلِموا أن قول ابن عمر: أنه اعتمر في رجب مما وقع فيه الغلط، وعلموا أنه تمتَّع وهو آمن في حجة الوداع، وأن قول عثمان لعلي: «كنا يومئذٍ خائفين» مما وقع فيه الغلط، وأن ما وقع في بعض طرق البخاري: «أن النار لا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقًا آخر» مما وقع فيه الغلط، وهذا كثير.

(٧٨) والناس في هذا الباب طرفان: طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله لا يُميِّز بين الصحيح والضعيف، فَيَشُكُّ في صحة أحاديث، أو في القطع بها (١)، مع كونها معلومة مقطوعًا بها عند أهل العلم به.

وطرف ممن يدعي اتباع الحديث والعمل به كلما وجد لفظًا في حديث قد رواه ثقة، أو رأى حديثًا بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته، حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة، أو يجعله دليلاً له في مسائل العلم، مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط.


(١) ما أكثر هذا الصنف اليوم ممن يتعالمون، ويزعمون اتباع العقل، أو المنهج العلمي الصحيح، وهما منهم براء.

<<  <   >  >>