للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقوله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ ـ ٢٣] صريح في ثبوت رؤية الباري سبحانه، لكن المعتزلة لا يثبتون الرؤية، فكيف يفسرون هذه الآية؟.

لقد فسروها بتفسيراتٍ؛ منها ما ذكره الأخفش المعتَزلي (ت:٢١٥) في معاني القرآن، قال: «يعني ـ والله أعلم بالنظر إلى الله ـ إلى ما يأتيهم من نِعمِه ورزقِه، وقد تقول: والله ما أنظر إلا الله وإليك؛ أي: أنتظر ما عند الله، وما عندك» (١).

ومنها ما قال هود بن محكِّم الإباضي (من علماء القرن الثالث): «قال الله عزّ وجل: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} أي: ناعمة. {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}؛ أي تنتظر الثواب، وهي وجوه المؤمنين ...» (٢).

ولو لم تكن هذه العقيدة موجودة عندهم لما نفوا الرؤية الواضحة الصريحة في هذه الآية، وحملوا الآية على ما لم يُرد بها.

وخطأهم في هذه الآية في الدليل والمدلول، فالدليل وهو قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} لا يدل على المدلول الخطأ وهو نفي الرؤية.


(١) معاني القرآن، للأخفش، تحقيق: هدى قراعة (٢:٥٥٨).
(٢) تفسير كتاب الله العزيز لهود بن محكِّم (٤:٤٤٤)، وقد ذكر بعده هذه الرواية، قال: «وحدثني مسلم الواسطي، قال: سمعت أبا صالح يقول في قوله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، قال: تنتظر الثواب من ربها. قال أبو صالح: ما رآه أحد من خلقه ولا يراه أحد».
وليس هذا منه اعتمادًا على الرواية، فالحديث الصحيح، وتفسير جمهور السلف جاء بوقوع الرؤية، فلا يلتبس عليك ما اعتمده من وقوع أبي صالح وقبله شيخه مجاهد في هذا التفسير غير المعتمد.
فائدة: كذا جاء في تفسير هود بن محكم: «وحدثني مسلم الواسطي»، والقائل هو يحيى بن سلام، فكتاب هود مختصر من كتاب يحيى، لكنه حذف منه ما لا يتناسب مع معتقده كتفسير الآية هنا برؤية الباري، كما أضاف إليه ما يتناسب مع معتقده الإباضي، راجع في ذلك مقدمة المحقق فقد بيّن ذلك بجلاء.

<<  <   >  >>