للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعاني التي دلّ الشرع على دخولها فيه كما هو مبسوط في كتب الاعتقاد.

ثانيًا: عدم الاعتماد على الملابسات التي تحدِّد المدلول العربي المراد:

التعبير بالملابسات أوسع من التعبير بسبب النُّزول، فهو يشمله ويشمل قصص الآي، وغيرها من الملابسات المتعلقة بالنُّزول؛ كعادات العرب، وعقائدهم، وشرائعهم.

ومن ذلك ما وقع في تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: ١٨٩]، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت:٢١٠): «... ومجازها: أي اطلبوا البر من أهله ووجهه، ولا تطلبوه عند الجهلة المشركين» (١).

وهذا الذي ذهب إليه أبو عبيدة يجعل الأمر على التمثيل لا الحقيقة، فالبيوت ليست البيوت المسكونة، وإنما هي تمثيل لمن يسأل من لا علم له، ولا يسأل من عنده علمٌ، فهو كمن يأتي البيت من ظهره دون بابه المعروف.

وهذا الذي قاله جائزٌ من جهة العربية، وهو محتملٌ لو كان الكلام مجرَّدًا عن سياقه، أما سياقه فيدلُّ على معنى آخر، وهو أن البيوت على الحقيقة، وهي البيوت المسكونة، وعلى هذا جاء تفسير السلف.

والآية تحكي عادة وشريعة جاهلية كانوا يعملون بها، فعن البراء رضي الله عنه، قال: «نزلت هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لم يدخلوا من قِبَلِ أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار، فدخل من قبل بابه فكأنه عُيِّرَ بذلك، فنَزلت {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}» (٢).


(١) مجاز القرآن (١:٦٨).
(٢) رواه البخاري، ويُنظر في تفسير السلف: تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢:١٨٦ ـ ١٨٨)، =

<<  <   >  >>