للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالذي شهِد التنْزيل ـ وهو البراء ـ يبيِّن أن المراد بالبيوت البيوتُ المسكونةُ، ولا مجال مع تفسيره هذا إلى القول بهذا المجاز البعيد الذي قاله أبو عبيدة (ت:٢١٠).

وقد كان من آثار هذا الأسلوب أنه كلما ابتعد التفسير عن عصر السلف ظهر عند بعض المفسرين أو المشاركين في التفسير تكثير المحتملات من جهة العربية دون النظر إلى ملابسات النُّزول، ولا إلى الوارد عن السلف في ذلك.

ومن أراد أمثلة ظاهرة على وقوع مثل هذا الأمر في تفسير الآيات، فليطَّلع على مثل تفسير الماوردي (ت:٤٥٠)، وغرائب التفسير وعجائب التأويل للكرماني (ت: بعد ٥٠٠)، وتفسير ابن عادل الحنبلي (ت:٨٨٠)، وغيرها ممن يُعنى بنقل الغرائب دون تمحيص لها وردٍّ عليها.

ومن الكتب التي لها باعٌ في باب تكثير المحتملات من جهة العربية دون النظر إلى ملابسات النُّزول، ولا إلى الوارد عن السلف = أمالي الشريف المرتضى (ت:٤٣٦) (١)، فهو يُكثِر من ذكر المحتملات اللغوية، ولو كانت ضعيفة بل شاذَّة غير معتبرٍ بملابسات النُّزول، بل يكتفي بورود


= وفي تفسيرهم تفاصيل أخرى لهذه العادة الجاهلية.
(١) هذه الأمالي من نفائس الكتب، وأحسنها في عرض المعلومات وتنوعها، لولا ما كان من مذهبٍ رديءٍ لمؤلفها، فهو معتزلي رافضيٌّ، واعتزالياته أشهر وأظهر من رافضياته في هذا الكتاب.
ولقد فُقِد اليوم جانب الإملاء والكتابة على هذه الطريقة الماتعة، فلا تكاد ترى إملاءً متنوعًا من عالم متنوع الفنون يتنقل بك من فائدة لغوية، إلى نكتة بلاغية، إلى حكم فقهي، إلى تفسير غريب لفظة، إلى ترجمة علمٍ، إلى بيان آية، إلى غير ذلك، حتى كأنَّك تسير في دوحةٍ غنَّاء مليئة بالطيور المغردة والزهور البهيجة والخضرة النضرة.
وقد رتَّب كتابه هذا على منهج لطيف، فيبدأ بتأويل آية، ثمَّ بشرح حديث، ثمَّ بشرح شعر، وسار على هذا في غالب كتابه.

<<  <   >  >>