للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبب صريحٌ، ويكون معناها معروفًا بدونه، وهذه الآيات لا تكون حجة في عدم الحاجة إلى سبب النُّزول، ومن أمثلة تلك الأسباب التي تكون الآيات واضحة بدونها ما روي من سبب نزول أول سورة الممتحنة، وهو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: ١].

فقد ورد في سببها ما حصل من حاطب بن أبي بلتعة وإرساله الخطاب لقريش يعلمهم بغزو الرسول صلّى الله عليه وسلّم لهم، والآية واضحة، ولو لم يُعلَم هذا السبب، لكن ليست كل آية لها سبب تكون بهذه المثابة، لذا قد يقع الغلط في تفسير الآية بسبب جهل سبب النُّزول، ومن أمثلة ذلك:

ما وقع لعروة بن الزبير (ت:٩٤) في فهمه لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة ١٥٨]، قال هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: «قلت لعائشة زوج النبي وأنا يومئذٍ حديث السن: أرأيت قول الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فما أرى على أحد شيئًا أن لا يطوف بهما.

فقالت عائشة: كلا لو كانت كما تقول كانت (فلا جناح عليه ألا يطوَّف بهما) إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلّون لمناة وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذلك فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}» (١).


(١) أخرجه البخاري في كتاب التفسير.

<<  <   >  >>