للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والغوص في البحار لإخراج الجواهر والكنوز ما سخر، وحبس منهم وقيد ما حبس وما قيد، وقد رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات وقرأ عليهم القرآن في مكة، وآمن بعض الجن برسالته كما ثبت في القرآن والحديث، وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه قد رآه في صورة لص سارق وأمسكه ثم أطلقه، وفي هذا الحديث الشريف يحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متمرد من الجن حاول شغله عن الصلاة وإخراجه منها، فتمثل له وهو في صلاته في صورة قط يحمل في يده صاروخًا من نار يشرعه في وجه الرسول الكريم وهو يؤم الناس ليلاً، فقال صلى الله عليه وسلم بصوت سمعه بعض المصلين معه: أعوذ بالله منك. أعوذ بالله منك. أعوذ بالله منك. ألعنك بلعنة الله التامة. ألعنك بلعنة الله التامة - يشير إلى قوله تعالى مخاطبًا إبليس {وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين} [الحجر: ٣٥] وأمكن اللَّه رسوله من هذا المتمرد، فلم يستأخر وقفز في وجه الرسول، فقبض عليه وخنقه خنقًا شديدًا حتى خرج لسانه وأحس صلى الله عليه وسلم برد لسانه على يده، وهم أن يربطه في أحد أعمدة المسجد حتى يراه الناس ويلعب به صبيان المدينة.

لكنه ذكر أن التحكم في الجن كان ملك أخيه سليمان عليه السلام، الذي سأل الله تعالى أن لا يكون هذا الملك لأحد من بعده فرأى صلى الله عليه وسلم تواضعًا وأدبًا مع أخيه سليمان أن يترك له هذه الجزئية من الملك وأن لا يشاركه فيها، فدفع المتمرد دفعًا شديدًا بعيدًا، فهرب خاسئًا ذليلاً، وقد رأى الصحابة المصلون معه تحركات يده بعد سماعهم استعاذته ولعنته للشيطان فسألوه عما رأوا وسمعوا، فحكى لهم ما رأى وما قال، وما هم به وما رجع عنه وما فعله، صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله عن صحابته أجمعين.

-[المباحث العربية]-

(إن عفريتًا من الجن) قال ابن الحاجب وزنه فعليت من عفر، وفي المحكم: عفريت بين العفارة خبيث منكر، وقال الزجاج: العفريت النافذ في الأمر المبالغ فيه من خبث ودهاء، والجن نوع من العالم، والجمع جنان وهم الجنة، والجني منسوب إلى الجن، قال ابن دريد: الجن خلاف الإنس، وكل شيء استتر فقد جن عنك، وقال ابن عقيل: إنما سمي الجن جنًا لاستجنانهم واستتارهم عن العيون، ومنه سمي الجنين جنينًا، فالمعنى المراد: إن متمردًا خبيثًا من الجن.

(جعل يفتك علي البارحة) "الفتك" الأخذ في غفلة وخديعة، وفي رواية البخاري "تفلت علي البارحة" أي تعرض لي فلتة أي بغتة، وفي المحكم أفلت الشيء إذا أخذ بغتة في سرعة، و"البارحة" أقرب ليلة مضت، ويقال لكل زائل بارح، والبارحة منصوب على الظرفية.

(فذعته) بذال معجمة وتخفيف العين، وبعدها تاء مشددة، أي خنقته، وفي رواية "فدعته" بالدال بدل الذال، ومعناه دفعته شديدًا، والدعت والدع الدفع الشديد، قال النووي: والمعجمة [أي رواية الذال] أوضح وأشهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>