للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولقد خفي على بعض المسلمين ما في كثرة الخطا إلى المسجد من الأجر، وكانوا يسكنون في أقصى المدينة على بعد ميل من المسجد، فدفعهم حرصهم على الجماعة أن يبيعوا بيوتهم ويشتروا بدلها بجوار المسجد، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: لا يا بني سلمة، الزموا بيوتكم لا تبيعوها، وتحملوا مشاق الوصول إلى المسجد، فإن الله يكتب لكم بعدد خطواتكم حسنات، أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم ممشى إلى المسجد، ثم أبعدهم ممشى. قالوا: سمعنا وأطعنا يا رسول الله، ونحمد الله أن قد علمنا قبل أن نبيع. لو كنا فعلنا لأسفنا وندمنا. فالحمد للَّه الذي هدانا.

وخفي هذا الحكم أيضًا على أبي بن كعب، إذ رأى رجلاً من الأنصار لا يتخلف عن صلاة الجماعة في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن بيته أبعد بيوت المسلمين عن المسجد، فأشفق على الرجل وتألم من أجله، فقال له يومًا: لو أنك اشتريت حمارًا تركبه في مجيئك إلى المسجد ورجوعك إلى بيتك كان خيرًا لك، يحميك من حر الرمال، ويحفظك من حشرات الأرض، ويحفظك من التعثر في الظلماء. قال الرجل: أنا قادر على شراء الحمار، لكني أريد زيادة الأجر بكثرة الخطا إلى المسجد، وإني لمسرور ببعد داري، وما كان يسرني لو كانت ملاصقة للمسجد، إني أحتسب خطواتي عند ربي وأرجو منه الثواب، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمقالة الرجل قال له: إن لك ما احتسبت. إن الله أعد لك ثواب كل ذلك.

-[المباحث العربية]-

(تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجة) قال النووي: المراد صلاته في بيته وسوقه منفردًا. وهذا هو الصواب، وقيل فيه غير ذلك - وسيأتي في فقه الحديث - والبضع بكسر الباء وفتحها، وهو من الثلاثة إلى العشرة على الصحيح، والمراد به هنا خمس وعشرون، أو سبع وعشرون درجة، كما مر قريبًا في باب فضل صلاة الجماعة.

(ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة) "لا ينهزه" بفتح الياء، والهاء بعدها زاي، أي لا يقيمه ولا يحركه ولا يجعله ينهض إلا الصلاة، فقوله بعد: "لا يريد إلا الصلاة" تفسير له وبيان. ورواية البخاري "ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة" أي إلا قصد الصلاة في جماعة.

(لم يخط خطوة) "لم يخط" بفتح الياء وضم الطاء، و"خطوة" يجوز فيها ضم الخاء وفتحها، قال الجوهري: الخطوة بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة.

(فإذا دخل المسجد كان في الصلاة) أي في ثواب الصلاة، لا في حكمها إذ يحل له الكلام وغيره مما يمنع في الصلاة.

(ما كانت الصلاة هي تحبسه) "هي تحبسه" مبتدأ وخبر، والجملة، خبر "كانت" وفائدة ذكر الضمير "هي" القصر عند بعض البلاغيين وتأكيد الإسناد وتقويته عند البعض الآخر.

و"ما" مصدرية دوامية، أي مدة كون الصلاة هي الحابسة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>