للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستحضر في نفسه الرغبة لأداء عبادته، خدعه شيطانه وقال له: نم مازال الليل طويلاً. ثم قليلاً ثم قم. فإذا ما استجاب لهذا الإغواء فنام ثم تيقظ، عاوده بالخدعة نفسها شيئًا فشيئًا ومرة بعد مرة، يعده ويمنيه وما يعده الشيطان إلا غرورًا، حتى إذا فات وقت الصلاة وضاعت الفرصة على المسلم وتحقق للشيطان ما أراد بال في أذن صاحبه سخرية منه واستهزاء {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} [إبراهيم: ٢٢] ولكن هل يترك الشيطان المسلم للنفس اللوامة؟ لتندم وتتحسر وتتألم وليأخذ من تقصيره عظة ودرسًا وقوة لمستقبله؟ لا إنه يعود إليه يزين له ما فعل، ويخيل إليه أنه معذور مرفوع عنه القلم ويبرر له القصور ويستخدم الحق مريدًا به باطل، يقول له: إنما نفس النائم بيد الله فلو شاء تعالى أن يبعثه لبعثه، وينخدع المسلم بالباطل المغلف المزين، فيعتذر بما لا يقبل، ويجادل بغير حجة {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} [الكهف: ٥٤].

-[المباحث العربية]-

(ذكر عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، لكن قد يؤخذ من رواية عن عبد الله بن مسعود أنه هو، ولفظها بعد سياق الحديث بنحوه: "وايم الله لقد بال في أذن صاحبكم ليلة" .. يعني نفسه.

(نام ليلة حتى أصبح) في رواية للبخاري: "مازال نائمًا حتى أصبح ما قام إلى الصلاة". والمراد من الصلاة الجنس أو العهد، وعلى أي منهما تحتمل صلاة الليل أو المكتوبة، وسياق مسلم لهذا الحديث في إطار صلاة الليل ترجيح منه على أن المراد صلاة الليل؛ وكذلك فعل البخاري، ومنه يؤخذ أن الوضع بالنسبة للنوم عن المكتوبة أولى وأشد، ومما يؤكد أن المراد صلاة الليل أن المخاطبين بهذا لم يكونوا ينامون عن صلاة العشاء، ومن المستبعد أن يراد منها الفجر، لأن معنى "حتى أصبح" أي حتى دخل في وقت الصبح، وليس حتى خرج عن وقت الصبح.

وتبويب الباب [بالحث على صلاة الوقت وإن قلت] وإن كانت عبارة "صلاة الوقت" تشمل صلاة أي وقت لكن عبارة "وإن قلت" لا تتأتى مع الفريضة.

(ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) هو بضم الذال وسكونها في المفرد والتثنية، والمراد من الشيطان جنس الشيطان، وفاعل ذلك وفاعل العقد الوارد في الرواية الثالثة قيل: هو القرين، وقيل: غيره، ويحتمل أن يراد به رأس الشياطين وهو إبليس، وتجوز نسبة ذلك إليه لكونه الآمر به الداعي إليه. وفي المراد من بول الشيطان في الأذن أقوال للعلماء، قيل: على حقيقته. قال القرطبي وغيره: لا مانع من ذلك، إذ لا إحالة فيه، لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح فلا مانع من أن يبول. اهـ.

وهذا أبعد الأقوال عن القبول، إذ لو كان بولاً حقيقيًا ماديًا ما صحت به الصلاة لنجاسته، ثم لم

<<  <  ج: ص:  >  >>