للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشافعي -رحمه الله- في كتاب آداب القضاء: إن الغناء لهو يشبه الباطل، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته.

وقال القاضي أبو الطيب: استماعه من المرأة التي ليست بمحرم له لا يجوز عند أصحاب الشافعي -رحمه الله- بحال، سواء أكانت مكشوفة أو من وراء حجاب، وسواء أكانت حرة أو أمة. وقال: قال الشافعي -رحمه الله-: صاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته. اهـ.

قال: وأما مالك -رحمه الله- فقد نهى عن الغناء، وقال: إذا اشترى جارية، فوجدها مغنية كان له ردها، وهو مذهب سائر أهل المدينة إلا ابن سعد وحده.

وأما أبو حنيفة رضي الله عنه فإنه كان يكره ذلك، ويجعل سماع الغناء من الذنوب، وكذلك سائر أهل الكوفة، وسفيان الثوري، وحماد، وإبراهيم، والشعبي وغيرهم. اهـ.

ثم أخذ الغزالي جاهداً محاولاً إثبات جواز السماع محاولات تستحق أن ينظر إليها أو يرد عليها، وأبرز أدلته بالنص قوله:

١ - فعل السماع كثير من السلف الصالح، صحابي وتابعي بإحسان.

٢ - لم يزل الحجازيون عندنا بمكة يسمعون السماع في أفضل أيام السنة وهي الأيام المعدودات التي أمر الله عباده فيها بذكره، ولم يزل أهل المدينة مواظبين كأهل مكة على السماع إلى زماننا هذا، فأدركنا أبا مروان القاضي وله جوار يسمعن الناس التلحين قد أعدهن للصوفية.

٣ - نقل أبو طالب المكي أنه كان لعطاء جاريتان تلحنان، فكان إخوانه يستمعون إليهما. وقال: ورأيت في بعض الكتب محكياً عن الحارث المحاسبي ما يدل على تجويزه السماع مع زهده وتصاونه وجده في الدين وتشميره. وقال: وكان ابن مجاهد لا يجيب دعوة لا يكون فيها سماع.

قال: وكان أبو الحسن العسقلاني الأسود من الأولياء يسمع ويوله عند السماع. وحكى عن بعض الشيوخ أنه قال: رأيت أبا العباس الخضر عليه السلام، فقلت له: ما تقول في هذا السماع الذي اختلف فيه أصحابنا؟ فقال: هو الصفو الزلال الذي لا يثبت عليه إلا أقدام العلماء.

وحكى عن ممشاد الدينوري أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله هل تنكر من هذا السماع شيئاً؟ فقال: ما أنكر منه شيئاً، ولكن قل لهم يفتتحون قبله بالقرآن، ويختمون بعده بالقرآن. اهـ.

وهذه الأدلة ينقصها ثبوتها عن أربابها، وأكثرها مروي بصيغة التمريض -نقل وحكى- بالبناء للمجهول، ثم هي -مع ذلك- أفعال لمن أعماله ليست بحجة [أبو مروان القاضي - عطاء - الحارث المحاسبي - أبو الحسن العسقلاني - بعض الشيوخ - ممشاد الدينوري].

ثم يستدل الغزالي بعد ذلك بأن الشرع يمتدح الصوت الحسن ويستنكر الصوت القبيح، وبأن صوت المرأة في غير الغناء ليس بعورة، وبأن الشعر لا يحرم سماعه، وأن الحداء في

<<  <  ج: ص:  >  >>