للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكرمهم أمواتاً، وللموت وحشة، وللميت رهبة، ولمنظره بعد الموت فزع ورعب وخوف، إنه شبح التحول والفناء، شبح ذوبان الجمال والبهاء، شبح البلى والعودة إلى التراب، فجاءت الشريعة بإغماض عينيه، وضم فكيه وتسجيته وتغطيته تغطية كاملة محكمة من قمة رأسه إلى أسفل قدميه، هكذا سجي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات، حتى إذا تهيأ أهله لدفنه وجب غسله، يقوم بتغسيله من يمتهن هذه المهنة أو أقرب أهله إليه، في مكان مستور عن أعين الناس، يرش بشيء من الطيب لما عساه يظهر من ريح كريه ينشأ عن الموت ومخارج الميت، يغسل بماء نقي طاهر يوضع به أو معه بعض المنظفات ذات الرائحة الطيبة، فتغسل مخارجه جيداً بعد ضغط رفيق على البطن لإخراج القريب من الفضلات، حتى إذا نقي الموضع غسل الجسم وتراً، لأن الله يحب الوتر ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً حتى يتأكد من النظافة، ثم يجفف برفق، ثم تحشى الفتحات بالقطن الممسك المضمخ بالطيب ثم تربط، ويسرح شعر الرأس كما كان يسرح في الدنيا، ويضفر شعر المرأة، بهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من قامت بغسل ابنته زينب رضي الله عنها.

ثم يكفن بأنظف الثياب لا بأغلاها ثمناً، إنها للتراب وللبلى، فالمغالاة فيها إضاعة للمال في غير المشروع، إن الكفن يقصد به الستر أولاً، والتكريم ثانياً، والحجب المؤقت لما يتساقط وينزف من الميت بسبب التحلل ثالثاً، فجوده في نظافته وعدد لفات الجسم به، ولقد كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض من الأقمشة القطنية.

وتكفن المرأة في خمسة أثواب، يلبس الرجل القميص إن كان هناك قميص، وتلف على رأسه عمامة بدون "طربوش" فالمقصود بها لفافة حول الرأس، وتغطى المرأة بإزار يغطي أسفلها، وتلبس درعاً شبيهاً بالقميص القصير، ويسدل الخمار على وجهها من أعلى رأسها، ثم يلف الرجل أو المرأة في لفافة تحيط بجسمه أكثر من دورة، ثم يلف بلفافة ثانية كالتي قبلها، ثم بثالثة مثلها، ثم تجمع اللفائف عند الرأس، ويرد زائدها على الوجه والصدر، وعند القدمين والساقين، ثم تشد الأكفان على الجسد بأربطة تحفظ من الانفكاك عند الحمل، وتفك من حول الجسد بعد وضعه في القبر.

وهكذا يظل الإنسان بين بني آدم مكرماً حتى يوارى، يظل مستوراً حتى يستره قبره الستر الحصين، يظل مقبول الرائحة حتى يكتم قبره عن أنوف الناس تغيره المحتوم، يظل حسن الصورة في نفوس أهله ومحبيه بل وأعدائه حتى لحظة وداعه وفراقه، تظل ابتسامته في مخيلتهم، وجماله ونضارته في أفئدتهم، وحبه والميل إليه في قلوبهم، فيبقى الشوق إلى رؤيته ويزداد، ويطول الحنين إليه ويعز الفراق، وتمتد الصلة والوصل في النفوس ويطول ارتباط الإنسان بالإنسان والأحياء بالأموات.

والله نسأل حسن الختام.

<<  <  ج: ص:  >  >>