إحدى التاءين صاداً، وأدغمت الصاد في الصاد، ويجوز تخفيف الصاد بحذف إحدى التاءين، والمصدر المنسبك من "أن تصدق" خبر مبتدأ محذوف، تقديره: أعظم الصدقة أجراً تصدقك في حالة الصحة والشح، فجملة "وأنت صحيح شحيح" في محل النصب على الحال، و"شحيح" خبر بعد خبر وهو صفة مشبهة من الشح مثلث الشين، وضمه أشهر. وقيل: الفتح مصدر والضم اسم. قيل: هو البخل. وقيل: الشح بخل مع حرص. وقيل: الشح ما هو من قبل الطبع. كأنه وصف لازم في طبيعة الإنسان، أمر بعلاجه ومجاهدته إلى السخاء، والبخل بروز الشح في أفراد الأمور وخواص الأشياء.
(تخشى الفقر وتأمل الغنى) في الرواية التالية "تخشى الفقر وتأمل البقاء" أي تطمع في زيادة المال وطول العمر، والصدقة في هذه الحالات فيها شدة مراغمة للنفس.
(ولا تمهل) روي بسكون اللام على صورة النهي، وروي بفتح اللام وتقديره وأن لا تمهل، معطوف على قوله "أن تصدق".
(حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا)"حتى" للغاية، وضمير "بلغت" يرجع إلى الروح بدلالة سياق الكلام عليها، و"الحلقوم" هو الحلق، والمراد من بلوغ الروح الحلقوم مقاربته، إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا شيء من تصرفاته، وقوله:"لفلان كذا" كناية عن الموصى له والموصى به.
(ألا وقد كان لفلان) كناية عن الوارث، أي وقد صار المال ملكاً للوارث، أو صار التصرف وإجازة الوصية أو عدم إجازتها حقاً للوارث، وخرج عن تصرفك وكمال ملكك، فالجملة على هذا حالية ليست من مقول المحتضر. وقيل: هي من مقول المحتضر، أي وقد كان لفلان عندي دين هو كذا.
(أما وأبيك لتنبأنه) قال النووي: قد يقال: حلف بأبيه، وقد نهي عن الحلف بغير الله، وعن الحلف بالآباء؟ والجواب أن النهي عن اليمين بغير الله لمن تعمده، وهذه اللفظة الواقعة في الحديث تجري على اللسان من غير تعمد، فلا تكون يميناً، ولا منهياً عنها. اهـ.
-[فقه الحديث]-
كان من الصعب تقسيم هذه المجموعة من الأحاديث إلى أبواب صغيرة مع المحافظة على ترتيبها كما هو في صحيح الإمام مسلم، ذلك أن أحاديث الباب الواحد قد تذكر متناثرة في أماكن متباعدة، كما أن هذه الأحاديث متداخلة في موضوعها، ومن الصعب التبويب لكل منها دون تكرير أو تشابه العناوين كما حدث للإمام النووي رحمه الله تعالى، فقد وضع التراجم أخذاً من الأحاديث فتشابهت كما هو واضح من تبويبه.
ولما كان عملنا في هذا الكتاب أقرب إلى شرح الحديث موضوعياً قسمنا هذه المجموعة الكبرى إلى مجموعات صغيرة مراعين ترتيب الإمام مسلم عند الكلام على المباحث العربية. ولم نلتزم هذا