للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يجب بسبب من جهة المكلف، فلم يسقط بالعجز، كجزاء الصيد، ثم إن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها، فتستقر في الذمة قالوا: وليس في الحديث ما يدل على الإسقاط، وليس فيه نفي استقرار الكفارة في الذمة، قال النووي: بل فيه دليل لاستقرارها، لأن الرجل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الكفارة بأنه عاجز عن الخصال الثلاث [ولم يعفه من الكفارة لإعساره، بل استبقاه] وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق التمر، فأمره بإخراجه، فلو كانت تسقط بالإعسار والعجز لم يكن عليه شيء، ولم يأمره بإخراجه، فدل على ثبوتها في ذمة المعسر. اهـ.

ويواجه الجمهور [القائل بعدم سقوط الكفارة بالإعسار] إشكالين في الحديث.

الأول: لو كانت لا تسقط بالإعسار، وأن عرق التمر الذي أذن له بأكله قد أعطاه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التمليك المطلق، لا على أنه الكفارة، بل على جهة التصدق عليه وعلى أهله من مال الصدقة، لما ظهر من حاجتهم، لو أن الأمر كذلك لأخبره بأن الكفارة باقية في ذمته، عليه أداؤها عند الاستطاعة، وإلا كان قد أخر البيان عن وقت الحاجة.

اختار هذا الاحتمال بعض الجمهور، وأجاب عن هذا الإشكال بجوابين:

الأول: أن منع تأخير البيان لوقت الحاجة ليس محل اتفاق، بل جمهور الأصوليين أجازه، فلعله صلى الله عليه وسلم أخر البيان، وأخر إعلامه بثبوت الكفارة في ذمته إلى وقت القدرة على إخراجها.

الجواب الثاني: أن هذا ليس من قبيل تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأن علم الرجل بوجوب الكفارة عليه ثابت مقدماً، ولم يطرأ ما يرفع هذا الثبوت، بل تأكد هذا الثبوت بعدم الإعفاء عند إعلان العجز، فالأمر عند الرجل ليس في حاجة إلى بيان.

الإشكال الثاني: لو كانت لا تسقط بالإعسار، وأن عرق التمر الذي أذن له بأكله، كان صلى الله عليه وسلم أعطاه إياه، وملكه إياه على أنه الكفارة، ومعنى هذا أن الكفارة أديت، فليس في الحديث دلالة على سقوطها بالإعسار، ولا على عدم سقوطها بالإعسار، لو أن الأمر كذلك لما أذن له بإطعامها أهله، لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال، فحيث أذن له في ذلك لم يكن هذا العرق كفارة، ولم يطالب بالكفارة، فدل الحديث على سقوطها عنه لعجزه.

واختار هذا الاحتمال بعض الجمهور، وأجاب بعضهم عن الإشكال بأن أكل الرجل من كفارته هنا خاص بهذا الرجل، قاله الزهري، ونحا إمام الحرمين نحوه، قال الحافظ ابن حجر: ورد بأن الأصل عدم الخصوصية.

وأجاب بعضهم بأن ذلك كان شرعاً ونسخ، قال الحافظ: ولم يبين قائله ناسخه. وأجاب بعض الشافعية بأن المراد بالأهل الذين أمر بصرفها إليهم من لا تلزمه نفقته من أقاربه. قال الحافظ: وضعف بالرواية الأخرى التي فيها "عيالك" وبالرواية المصرحة بالإذن له في الأكل من ذلك.

وأجاب بعضهم بأنه لما كان عاجزاً عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>