للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصحابنا عن هذه الأحاديث بأن المراد أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته من اللغو والكلام الرديء لا أن الصوم يبطل به. اهـ

ويمكن أن يراد منها بطلان الثواب، بمعنى أن السيئات المتحصلة من هذه الأمور قد تساوي الحسنات التي يحصلها الصوم، وكأن صاحبها لم يصم.

النقطة الثالثة: فضل الصيام، وفيه تقول الرواية الثالثة قال صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، هو لي، وأنا أجزي به، فوالذي نفس محمد بيده لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" وتقول الرواية الخامسة "وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" وتقول الرواية السادسة "كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف" قال الله عز وجل "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي" وتقول الرواية الثامنة "إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد".

قال النووي عن سبب فضل الصوم عند قوله "إلا الصيام فإنه لي" اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى، فقيل: سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به، فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبوداً لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك [واعترض على هذا بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات، فإنهم يتعبدون لها بالصيام] وقيل: لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه، بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة، وقيل: لأنه ليس للصائم ولنفسه فيه حظ. قال الخطابي: [ويؤيده ما جاء في روايتنا السادسة "يدع شهوته وطعامه من أجلي"]. قال: وقيل: إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فالإضافة إلى نفسه لتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء، اهـ زاد الحافظ ابن حجر نقلاً عن القرطبي: كأن الله يقول: إن الصائم يتقرب إلي بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي.

وزاد الحافظ على ما ذكر: أن الصائم يتقرب بصفة من صفات الملائكة، وقال: قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير، ويشهد لهذا روايتنا السادسة "كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به" أي أجازي عليه جزاء كثيراً من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: ١٠]. والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال. اهـ

وكل ما ذكر من هذه الأقوال تلمس للحكمة، وشأنها شأن الوردة تشم ولا تدعك، فإن هي دعكت ضاعت وراحت رائحتها، ولله تعالى أن يفضل ما شاء من العبادات على بعض، وله في ذلك حكمة قد لا نعلمها وهو أعلم، جل شأنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>