للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحج أعظم الذنوب إلى أن كانت حجة الوداع في السنة العاشرة، ونودي في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج إلى الحج فاستعد المسلمون بالمدينة للخروج معه، وقدم إلى المدينة ممن حولها خلق كثير، كل يلتمس بركة الصحبة، ويرغب في أن يأتم ويتعلم بالقدوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحج حجاً تاماً منضبطاً، حتى كان عدد من حج معه، من أهل المدينة، وممن حولها وممن انضم إليهم في الطريق يزيد على أربعين ألفاً.

وصلوا الميقات ذا الحليفة، وأحرموا عندها بالحج، وهم في مطلع شهر ذي الحجة وساروا يلبون بالحج طول الطريق، حتى وصلوا إلى "سرف" على بعد ستة أميال من مكة وشاء الله أن يعلمهم بمشروعية العمرة في أشهر الحج، تدريجياً، فقال صلى الله عليه وسلم لهم: من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعل الحجة التي أحرمتم بها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا، وكان الأمر عرضاً، وفي صورة التخيير، فكان منهم الآخذ به، وهم القلة، ومنهم التارك، وقال لهم مرة أخرى: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، وأهل ناس مثله، وأهل ناس بالعمرة، وأهل ناس بالحج والعمرة، فلما قربوا من مكة قال لهم صلى الله عليه وسلم: من لم يكن معه هدي فليحرم بعمرة ويفسخ الإحرام بالحج، ومن كان معه هدي فليبق على إحرامه بالحج، وإن شاء أدخل عليه العمرة، وعظم في نفسهم هذا الأمر الإلزامي، وهم مازال عالقاً بقلوبهم أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وترددوا في تنفيذ الأمر، وعلم صلى الله عليه وسلم بترددهم وتراخيهم عن التنفيذ، إما بوحي أو إخبار منهم، فغضب، ودخل وخرج مغضباً وقال لهم: من لم يكن معه هدي وطاف وسعى فليحل على أنه قد اعتمر، ولولا أني سقت الهدي لفسخت الحج وجعلته عمرة كما آمركم، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت، ولو كنت أعلم أن هذا سيحصل لما سقت الهدي، ولفعلت ما آمركم به فحلوا.

وأصبح المسلمون بين متمتع وقارن ومفرد للحج، أما المتمتعون فأحرموا بالحج يوم التروية يوم الثامن من ذي الحجة.

وأما من ساقوا الهدي فلم يحلوا حتى قضوا حجهم، وكان لعائشة رضي الله عنها وضع خاص فقد حاضت في الطريق قبل وصولهم مكة، وكانت كبقية المسلمين محرمة بالحج، فقلبته عمرة كغيرها ممن لم يسق الهدي، ولم تستطع أن تطوف وتسعى وتتحلل كما فعلوا، حتى جاء يوم عرفة وهي حائض فأدخلت الحج على العمرة، وقامت بالوقوف بعرفة ثم طهرت فطافت وسعت وتمت حجتها وعمرتها كقارنة، لكنها لم تشبع روحها من هذا النسك وقد سعد المسلمون، وتميزت بقية أمهات المؤمنين بعمرة مستقلة وحج مستقل، وهي المتميزة في حياتها عن أخواتها، فاستجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لرغبتها، وأرسلها مع أخيها إلى التنعيم أدنى الحل، فأحرمت بعمرة، ثم طافت وسعت وتحللت فكانت قارنة على الحالة الأولى، مفردة عمرة على الحالة الأخيرة.

وأما القارنون فقد كفاهم طواف واحد وسعى واحد عن حجهم وعمرتهم، ولم تختلف مناسكهم عن المفردين بالحج إلا في النية والإحرام ومن هنا اختلف الناس في الوجه الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم. هل

<<  <  ج: ص:  >  >>