للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(أنا بريء ممن حلق) أي بريء من فعلهن، أو من إثمهن وما يستوجبن من عقوبة، أو من عهدة مالزمني بيانه من الحرمة، ويجوز أن يراد به ظاهره، أي أنا منفصل عن فاعل هذه الأمور ويصح أن يكون كناية عن الزجر والتحذير من الفعل، كما تقول لابنك: أنا بريء منك إذا فعلت كذا.

-[فقه الحديث]-

هذا الحديث أصل عظيم في النهي عن المنكر، والخروج من تبعة الوقوع فيه، وإذا كان الخلاف بين العلماء قد بلغ حده في تأثر الميت ببكاء أهله، وتعذبه بصراخهم بناء على الأحاديث الواردة في ذلك، فإنه مما لا شك فيه أن واجب المؤمن تحذير أهله من الوقوع في المنكر الذي يتوقع منهم أن يقعوا فيه، وإلا كان عليه تبعة التقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولنعرض لبعض النصوص في عذاب الميت ببكاء أهله، ثم نعود إلى تحقيق الموضوع:

روى البخاري: تحت باب قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا} [التحريم: ٦] قال عبد الله بن عمر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله" وعن عمر: أنه قال: يا صهيب. أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه"؟ وفي رواية أنه قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي" وعن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ينح عليه يعذب بما نيح عليه".

وعن ابن عمر عن أبيه -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه".

وروى مسلم: أن حفصة بكت على عمر-حين طعن- فقال: مهلا يا بنية، ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه"؟

وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر أغمي عليه، فصيح عليه، فلما أفاق قال: أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي"؟

من مجموع هذه الروايات يفهم أن الميت يعذب ببكاء الحي، وعارضت عائشة في ذلك، وخصته بالكافرين، متمسكة بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [فاطر: ١٨] ومع أن تفصيل القول في هذه المسألة سيأتي في كتاب الجنائز فحاصل ما يقال فيها:

١ - أن البكاء من غير نوح مرخص فيه شرعا، أخذا بما رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا يحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم.

وقال عمر حين قيل له إن النساء يبكين. قال: دعهن يبكين على أبي سليمان (يعني خالد بن الوليد) ما لم يكن نقع (أي تراب على الرأس) أو لقلقة (ترديد صوت النياحة) وإذا رخص في البكاء بدون نوح لم يعذب الميت به باتفاق. فتحمل أحاديث التعذيب بالبكاء على النوح.

<<  <  ج: ص:  >  >>