للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القول الشديد في رواية أخرى، بأنه قال: "لو علمت ذلك ما صليت عليه" ولم ينقل أنه راجع الورثة، فدل على منعه مطلقًا، وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص، في روايتنا الرابعة "فكان بعد الثلث جائزًا" فإن مفهومه أن الزائد على الثلث ليس جائزًا، وبأنه صلى الله عليه وسلم منع سعدًا من الوصية بالشطر، ولم يستثن إجازة الورثة.

واختلف العلماء بعد ذلك في وقت إجازة الورثة، والجمهور على أنهم إن أجازوا في حياة الموصي كان لهم الرجوع متى شاءوا، وإن أجازوا بعد موته نفذ، وفصل المالكية في الحياة بين مرض الموت وغيره، فألحقوا مرض الموت بما بعده .. وقال الزهري وربيعة: ليس لهم الرجوع مطلقًا.

واتفقوا على اعتبار كون الموصي له وارثًا بيوم الموت، حتى لو أوصى لأخيه الوارث، حيث لم يكن له ابن يحجب الأخ المذكور، فولد له ابن، قبل موته، يحجب الأخ، فالوصية للأخ المذكور صحيحة، ولو أوصي لأخيه، وله ابن، فمات الابن قبل موت الموصي، فهي وصية لوارث.

ومن الرواية السابعة أخذ العلماء استحباب النقص عن الثلث. قال النووي: وبه قال جمهور العلماء مطلقًا، ومذهبنا: أنه إن كان ورثته أغنياء استحب الإيصاء بالثلث، وإلا فيستحب النقص منه، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه يوصي بالخمس، وعن علي رضي الله عنه نحوه، وعن ابن عمر وإسحق بالربع، وقال آخرون بالسدس، وآخرون بالعشر، وروي عن علي وابن عباس وعائشة وغيرهم أنه يستحب لمن له ورثة وماله قليل ترك الوصية.

٣ - الصدقة عن الميت الذي لم يوص: وأما الصدقة عن الميت، وهي موضوع رواياتنا الثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة.

قال النووي: في هذه الأحاديث جواز الصدقة عن الميت، واستحبابها، وأن ثوابها يصله، وينفعه، وينفع المتصدق أيضًا، وهذا كله أجمع عليه المسلمون.

وقال في شرح مقدمة صحيح مسلم: من أراد بر والديه فليتصدق عنهما، فإن الصدقة تصل إلى الميت، وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين، وأما ما حكاه الماوردي البصري الفقيه الشافعي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب، فهو مذهب باطل قطعًا، وخطأ بين، مخالف لنصوص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، فلا التفات إليه، ولا تعريج عليه، وأما الصلاة والصوم عن الميت فمذهب الشافعي وجماهير العلماء أنه لا يصل ثوابهما إلى الميت، إلا إذا كان الصوم واجبًا عن الميت، فقضاه عنه وليه، أو من أذن له الولي، فإن فيه قولين للشافعي، وأما قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت، وقال بعض أصحابه: يصل ثوابها إلى الميت، وذهب جماعة من العلماء أنه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات، من الصلاة والصوم والقراءة وغير ذلك، ودليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج، فإنها تصل بالإجماع.

ثم قال عن رواياتنا المذكورة: وهذه الأحاديث مخصصة لعموم قوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: ٣٩] وأجمع المسلمون على أنه لا يجب على الوارث التصدق

<<  <  ج: ص:  >  >>