للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والعباس على جميع هذا، من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت، فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ، واستمرارها عليه، وكيف يحل لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل في كل هذه الأحوال؟ ولو كان شيء لنقل، فإنه من الأمور المهمة. اهـ.

وقد تابع الطبري بكر ابن أخت عبد الواحد، واحتج بما أخرجه بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم، قال: "رأيت عمر يجلس الناس، ويقول: اسمعوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم" وتبعهما في ذلك ابن حزم.

والحق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أبا بكر بعده صراحة، لكن إشاراته إلى ذلك كثيرة، منها:

١ - روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي".

٢ - وعن جبير بن مطعم قال: "أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ -كأنها تقول: الموت -قال صلى الله عليه وسلم: إن لم تجديني فأتي أبا بكر".

٣ - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. فقال: من الرجال؟ قال: أبوها: قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب".

وفي مرض موته صلى الله عليه وسلم أنابه للصلاة بالناس.

وهم أن يكتب وصاية له بالخلافة بعده، ولكنه رجع، وقال: "يأبى الله، ويدفع المؤمنون".

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "ادعي لي أباك وأخاك، حتى أكتب كتابا".

وفي آخره "ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" وعند مسلم "ادعي لي أبا بكر، أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر".

وأفرط المهلب، فقال: فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر.

لكن حديثنا يفيد جزما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين صراحة من يكون خليفة بعده، ولعله قد أعلمه ربه أن الأمة ستجتمع على أبي بكر، فترك التعيين لتثاب الأمة على الاجتهاد والاختيار، وليشرع الشورى واختيار أهل الحل والعقد لخليفتهم.

النقطة الثانية: ماذا فعل أبو بكر رضي الله عنه؟

أما أبو بكر رضي الله عنه فحين حضرته الوفاة كانت جيوش المسلمين في حرب طاحنة مع أعداء الإسلام، فخشي الفتنة، والظروف لا تسمح بالتفرق، وفهم من عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الكتابة والاستخلاف جوازه، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يعزم إلا على جائز، فعين عمر خليفة من بعده رضي الله عنهما واتفق الناس على قبول هذا التعيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>