للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٢٣٢ - عن عبد الله بن زيد قال: أتاه آت فقال: ها ذاك ابن حنظلة يبايع الناس. فقال: على ماذا؟ قال: على الموت. قال: لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-[المعنى العام]-

يقول جل شأنه: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا} [غافر: ٥١]. {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [الروم: ٤٧] عهد من الله تعالى أن ينصر رسله، والله لا يخلف الميعاد، وللنصر أسباب بشرية، إذا هي عجزت، أو وقف في سبيل تأثيرها عائق تدخلت الإرادة الإلهية بمعجزة ظاهرة، فحين قال أصحاب موسى: {إنا لمدركون* قال كلا إن معي ربي سيهدين* فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم* وأزلفنا ثم الآخرين* وأنجينا موسى ومن معه أجمعين* ثم أغرقنا الآخرين} [الشعراء: ٦١ وما بعدها].

وهنا في غزوة الحديبية، وقد وصل المسلمون، ألفا وأربعمائة مقاتل، إلى بئر قليل الماء، وهم عطاش، ودوابهم عطش، لم يرو ماؤها غلة حتى نضب، فزعوا إلى قائدهم ونبيهم يشكون، عطاش يكاد العطش يهلكهم، ويهلك دوابهم، وهم في أرض الكفار، لا يسيطرون من مائها إلا على هذه البئر. وليس في رحال القوم سوى إناء بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ منه، لا يسع أكثر من لتر ماء. فما النجاة؟ وربما يطول بهم المقام في هذه المفازة أياما؟ ولم يجد صلى الله عليه وسلم من أسباب عادية يحاولها، فلجأ إلى الله، دعاه، وهو القائل {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} [النمل: ٦٢] دعاه ووضع يده في إناء الماء، ففار الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، فأخذه حتى وقف على شفير البئر، فمضمض منه، ودعا، وصبه في البئر، ودعا، وقال لأصحابه: اتركوها ساعة، فعادوا إليها بعد ساعة ليجدوها ملأى بالماء، فشربوا وسقوا دوابهم، وملئوا بالماء أوعيتهم، وما نقص ماؤها، وأقاموا عندها أياما يشربون ويسقون وماؤها ثابت لا ينقص، معجزة عينية مادية، آمن بها من شهدها، حتى قال قائلهم: كنا ألفا وأربعمائة، ولو كنا مائة ألف لكفانا ماؤها.

ولقد أقاموا تحت أشجار الحديبية أياما، تمنعهم قريش من أداء عمرتهم، وهم ينتظرون قضاء الله وقدره، فقد أحرموا بالعمرة من ذي الحليفة، وساقوا معهم هديهم من المدينة، فكيف يصدون عن المسجد الحرام وهم قوة، غلبت كفار قريش في مواقع كثيرة؟ الحماس يملؤهم أن يهاجموا قريشا بمكة، وأن يعتمروا إن بالسلم وإن بالقوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يصدر إلا عن أمر ربه يهدئ من حماسهم، ويراسل قريشا ويراسلونه، وأشيع أن عثمان رضي الله عنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش قد قتل، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كانوا قد قتلوه لأقاتلنهم، وأمر مناديه أن ينادي الناس من تحت أشجارهم أن يأتوه، فيبايعوه تحت الشجرة التي ينزل عندها، فجاءوا يمدون أيديهم إلى يده، يبايعونه، وهم إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم، يبايعونه على الثبات أمام الكفار في حربهم، وعدم الفرار حتى النصر أو الموت، بيعة هم الكاسبون فيها، فهم

<<  <  ج: ص:  >  >>