للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مجهولاً، وادعى أبو داود أن حديث خالد بن الوليد منسوخ، ولم يبين ناسخه -وكذا قال النسائي: الأحاديث في الإباحة أصح، وهذا إن صح كان منسوخاً، وكأنه لما تعارض عنده الخبران، ورأى في حديث خالد "نهى" وفي حديث جابر "أذن" حمل الإذن على نسخ التحريم. قال الحافظ ابن حجر: وليس في لفظ "رخص" و"أذن" ما يتعين معه المصير إلى النسخ، بل الذي يظهر أن الحكم في الخيل والبغال والحمير كان على البراءة الأصلية، فلما نهاهم الشارع يوم خيبر عن الحمر والبغال، خشي أن يظنوا أن الخيل كذلك، لشبهها بها، فأذن في أكلها دون الحمير والبغال، والراجح أن الأشياء قبل بيان حكمها في الشرع لا توصف لا بحل ولا حرمة، فلا يثبت النسخ في هذا. قال: ونقل الحازمي أيضاً تقرير النسخ بطريق أخرى، فقال: إن النهي عن أكل الخيل والحمير كان عاماً، من أجل أخذهم لها قبل القسمة والتخميس، ثم بين بندائه بأن لحوم الحمر رجس أن تحريمها لذاتها، وأن النهي عن الخيل إنما كان بسبب ترك القسمة خاصة. قال الحافظ: ويعكر عليه أن الأمر بإكفاء القدور إنما كان بطبخهم فيها الحمر، لا الخيل، فلا يتم مراده. قال: والحق أن حديث خالد -ولو سلم أنه ثابت- لا ينهض معارضاً لحديث جابر الدال على الجواز، وقد وافقه حديث أسماء [روايتنا السابعة عشرة] وقد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هارون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون، وجمع بعضهم بين حديث جابر وخالد بأن حديث جابر دال على الجواز في الجملة، وحديث خالد دال على المنع في حالة دون حالة، لأن الخيل في خيبر كانت عزيزة، وكانوا محتاجين إليها للجهاد، فلا يعارض النهي المذكور، ولا يلزمه وصف أكل الخيل بالكراهة المطلقة، فضلاً عن التحريم.

٧ - ووجهوا الاستدلال بقوله تعالى {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} بأوجه:

أ- أن اللام للتعليل، فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك، لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر، فإباحة أكلها تقتضي خلاف ظاهر الآية.

ويجيب المبيحون بأننا لو سلمنا أن اللام للتعليل لم نسلم إفادة الحصر في الركوب والزينة، فإنه ينتفع بالخيل في غيرها، وفي غير الأكل اتفاقاً، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل.

ب- عطف البغال والحمير على الخيل، فدل على اشتراكها معها في حكم التحريم، فيحتاج من أفرد حكمها عن حكم ما عطفت عليه إلى دليل.

ويجيب المبيحون بأن دلالة العطف إنما هي دلالة اقتران، وهي ضعيفة.

ج- أن الآية سيقت مساق الامتنان، فلو كانت ينتفع بها في الأكل، لكان الامتنان به أعظم، لأنه يتعلق به بقاء البنية بغير واسطة، والحكيم لا يمتن بأدنى النعم، ويترك أعلاها، ولا سيما وقد وقع الامتنان بالأكل في المذكورات قبلها.

ويجيب المبيحون بأن الامتنان إنما قصد به غالباً ما كان يقع به انتفاعهم بالخيل، فخوطبوا بما

<<  <  ج: ص:  >  >>