للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والاحترام والتقديس لأفضل خلق الله صلى الله عليه وسلم، وكان من الطبيعي أن يحرص الصحابة على إبراز حبهم له بتسمية أبنائهم باسمه صلى الله عليه وسلم، أو التكنية بكنيته، فكان في ذلك تلبيس إذا نادى أحدهم صاحبه الذي تسمى باسمه، أو تكنى بكنيته، وقد حصل فعلاً، إذ كان صلى الله عليه وسلم في سوق البقيع، فسمع رجلاً ينادي: يا أبا القاسم.

فالتفت صلى الله عليه وسلم نحو الرجل، وكأنه يقول له: ماذا تريد مني؟ فتأسف الرجل واعتذر، وقال: لم أقصدك يا رسول الله، وإنما قصدت فلاناً، المكنى بأبي القاسم، فقال صلى الله عليه وسلم: تسموا باسمي، ولا تتكنوا بكنيتي، إذ ليس من المعتاد، ولا من اللائق أن يناديني أحد باسمي، فلا خطورة، ولا حرج من تسمية أبنائكم بمحمد، لكن لا يكني أحد منكم بأبي القاسم، ولا يسمي ابنه بالقاسم، لئلا يكنى بأبي القاسم، وكانت خطورة أخرى، سموا أولادهم بمحمد، ولما أخطأ الأطفال شتموهم، فكان شتماً لاسم الرسول في شخص الطفل، فقال صلى الله عليه وسلم "تسمونهم محمداً، ثم تلعنونهم: ؟ فكف الصحابة عن لعن وسب من اسمه محمد. ولما زال الالتباس، بوفاته صلى الله عليه وسلم سمى الناس القاسم، وكنوا أنفسهم بأبي القاسم، وتحاشوا سبهم أو ألفاظ تحقيرهم، كما سموا أولادهم بأسماء أنبياء الله السابقين، تيمناً وتبركاً بهم.

ولما كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ويدعو إليه، ويكره التشاؤم وينهى عنه، ويحذر منه، دعا إلى التسمية بالأسماء الحسنة، والتي توحي بالفأل الحسن، ونهى عن التسمية بالأسماء القبيحة، والتي توحي بالتشاؤم، ولم يكتف بهذه الدعوة، بل كان إذا جاءه صاحب اسم مكروه غيره إلى محبوب، وإذا جاءه صاحب اسم قبيح حوله إلى حسن، فحول "حباباً" إلى "عبد الله" وحول اسم "حرب" إلى "الحسن" وحول اسم "غراب" إلى "مسلم" وحول اسم "عاصية" إلى "جميلة" وحول اسم "العاص" إلى "مطيع" كما حذر من التسمية بالأسماء المختصة بالله تعالى وعظمته، فلا يسمى بملك الملوك، ولا بسلطان السلاطين، ولا بالرحمن، ولا بالقدوس، ولا بالمهيمن.

وهكذا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة الأدب في كل شيء، حتى في تسمية الآباء أبناءهم وبناتهم. فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

-[المباحث العربية]-

(نادى رجل رجلاً بالبقيع: يا أبا القاسم) البقيع مدافن أهل المدينة، والظاهر أن هذا النداء كان عند دفن ميت، وقد حضر التشييع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع من الصحابة، وجملة "يا أبا القاسم" بيان للنداء، وهي كنية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كني بولده القاسم، وكان أكبر أولاده، واختلف. هل مات قبل البعثة أو بعدها، وقد ولد له إبراهيم في المدينة، من مارية القبطية، وروي أن جبريل -عليه السلام- قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "السلام عليك يا أبا إبراهيم" لكن لم يشتهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بكنية أبي القاسم.

(فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظناً أنه يناديه، على الرغم من أن الصحابة لم يكونوا ينادونه

<<  <  ج: ص:  >  >>