للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا هو التفصيل:

١ - في الرواية الأولى "من شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين" وفي الرواية الثانية "من شر كل نفس، أو عين حاسد" وفي الرواية الثالثة "العين حق" وفي الرواية الرابعة "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، سبقته العين" وفي الرواية، "كان يأمرها أن تسترقي من العين" وفي الرواية "رخص في الرقية من العين" وفي الرواية "ولكن العين تسرع إليهم" وعند البزار بإسناد حسن "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس" قال الراوي: يعني بالعين، وأحاديث إثبات العين وتأثيرها كثيرة مشهورة، لا تجحد ومحاولة تأويلها وإخراجها عن مفهومها الظاهر فاسد وغير مقبول، لأن كل معنى ليس مخالفاً للمعقول ولا يؤدي إلى قلب الحقيقة، ولا يؤدي إلى معارضة دليل ثابت، كل معنى هذا شأنه فهو من مجوزات العقول، وكل معنى هذا شأنه إذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده، ولا يجوز تكذيبه، فإنكار بعض الطبائعيين لتأثير العين وادعاؤهم أنه لا شيء إلا ما تدرك الحواس، وما عدا ذلك لا حقيقة له، إنكار لكثير من الواقع، كما سنبين بعد.

قال الإمام المازري: أخذ جماهير العلماء بظاهر هذه الأحاديث، وقالوا: العين حق، وأنكره طوائف من المبتدعة، وهو قول فاسد، وليس من فرق بين تكذيبهم بهذه الأحاديث وبالعين وتأثيرها، وبين تكذيبهم بما يخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور الآخرة.

ونحن إلى اليوم ندرك أثر العين ولا ندرك -على الحقيقة القاطعة- كيفية تأثير العائن في المصاب، ولا كيف تعمل العين من بعد، حتى يحصل الضرر للمعيون، وقد ذهب بعض المسلمين من أصحاب الطبائع إلى أن العين قد ترسل جواهر لطيفة، غير مرئية، تنبعث من العائن، فتتصل بالمعيون، وتتخلل مسام جسمه فيخلق البارئ الهلاك عندها، كما يخلق سبحانه وتعالى الهلاك عند شرب السموم، وقال بعضهم: إنما هو سم في عين العائن، يصيب بلفحه، عند التحديق إليه، كما يصيب لفح سم الأفعى من يتصل به من غير تلامس، فهناك جنس من الأفاعي، اشتهر بأنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك، فكذلك العائن يرسل من عينه أشعة جوهرية، غير مرئية، فتنتقل في الهواء، إلى بدن المعيون، وقد نقل عن بعض من كان معياناً، أنه قال: إذا رأيت شيئاً يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني.

وقد حاول المازري أن يرد هذا الاتجاه، فقال: هذا غير مسلم، لأننا بينا في كتاب علم الكلام أنه لا فاعل إلا الله تعالى، وبينا فساد القول بالطبائع، وبينا أن المحدث لا يفعل في غيره شيئاً، وإذا تقرر هذا بطل ما قالوه، ثم نقول: هذا المنبعث من العين، إما جوهر، وإما عرض، فباطل أن يكون عرضاً، لأنه لا يقبل الانتقال، وباطل أن يكون جوهراً، لأن الجواهر متجانسة، فليس بعضها بأن يكون مفسداً لبعضها، بأولى من عكسه، فبطل ما قالوه. اهـ

قال النووي: ومذهب أهل السنة أن العين إنما تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى، أجرى الله سبحانه وتعالى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص آخر، وهل هناك جواهر خفية؟ أم لا؟ هذا مما تجوزه العقول، ولا يقطع فيه بواحد من الأمرين، وإنما يقطع بنفي

<<  <  ج: ص:  >  >>