للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يشاهدونه هو الأثر، وليس المؤثر، وأن المؤثر والفاعل الحقيقي هو الله تعالى، وهو الذي جعل العدوى سبباً، وأنها قد تؤثر، وقد لا تؤثر، وأنه قد يبعث المرض المعدي نفسه بدون العدوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: فمن أعدى الأول؟ من الذي أجرب البعير الذي مرض بالجرب أولاً؟ الجواب: أجربه الله تعالى، وإذن الذي يمرض حقيقة هو الله تعالى، وخشي صلى الله عليه وسلم أن تتحول العقيدة عن اعتبار الأسباب، وأن تهمل الأسباب بالكلية، فقال لهم: لا يوردن صاحب إبل جرباء، إبله على إبل سليمة.

وكانوا في الجاهلية يتطيرون ويتشاءمون، ويعتقدون في المتشاءم منه أنه يوجد الشر والضرر، فإذا رأى أحدهم في طريقه لمشروع مهم غراباً أسود رجع، وترك مشروعه، وإذا سمع أحدهم صوت بومة وهو على أهبة سفر رجع عن السفر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا طيرة" ولا أثر لما تتشاءموا منه، فلا تتشاءموا، وإذا وقع في نفسكم شيء من هذا فقولوا: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، ولا يعلم الغيب إلا أنت، وامضوا لأعمالكم، ولا ترجعوا.

وكانوا يعتقدون أن روح القتيل تظهر ليلاً في صورة طائر، ينادي: اسقوني من دم قاتلي، تظل كذلك حتى يؤخذ بثأره، ويسمونها الهامة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هامة" وإنما هي أوهام وخيالات لا أصل لها، ولا وجود. وكانوا يعتقدون أن في بطن الإنسان حية كبيرة، تتلوى إذا جاع، تطلب الطعام، ويسمونها "صفر" فقال لهم: "ولا صفر" وكانوا يعتقدون أن الأمطار تنزل بفعل نجم خاص يظهر في السماء يسمونه، ويقولون: مطرنا بنوء كذا، فقال لهم: إن النجوم لا تنزل مطراً، وإنما هو الله مرسل الرياح، ومسخر السحاب، والمنزل وحده للغيث، وكانوا يعتقدون أن في الصحراء والخلاء المهجور تظهر حيوانات غريبة المنظر، وغيلان مخيفة، تتراءى في الليل، وعند الانفراد والوحدة، فقيل لهم: "ولا غلول".

يحارب صلى الله عليه وسلم العقائد الفاسدة، ويغرس في النفوس الأفكار السليمة الصحيحة، التي يحافظ الإنسان بها على نفسه في دينه ودنياه، ولا يخاف الشر والضرر، إلا مما فيه الضرر بيقين، وأن يعتمد على الله ويتوكل عليه {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً} [الطلاق: ٣].

-[المباحث العربية]-

(لا عدوى) "لا" نافية للجنس، تعمل عمل "إن" واسمها يبنى على ما ينصب به، فعدوى اسم "لا" مبني على فتح مقدر على الألف في محل نصب، وخبرها محذوف، تقديره: تؤثر، أو تنتقل بنفسها، والعدوى انتقال المرض من المصاب به إلى السليم بسبب المخالطة، وكانت العرب تعتقد أن هذه المخالطة هي العامل الوحيد فيها، ونسوا أن الله تعالى هو الفاعل الحقيقي الفعال لما يريد.

(ولا صفر) بفتح الصاد والفاء، وفسره البخاري بقوله: وهو داء يأخذ البطن، وقيل: هو حبة تكون في البطن، تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب في اعتقاد العرب، وقد جاء هذا التفسير عن جابر رضي الله عنه في روايتنا التاسعة، وقيل: هو دود يكون في الجوف، فربما عض، فقتل، فالمراد بالنفي

<<  <  ج: ص:  >  >>