للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمراد من "المرأة" الزوجة، والمراد من "الفرس" المركب ووسيلة الانتقال، ولو سيارة، أو باخرة، أو طائرة، أو قطار.

وفي الرواية الثامنة عشرة "ففي الفرس والمسكن والمرأة" وفي الرواية المتممة للعشرين "ففي الربع" بفتح الراء وسكون الباء الموضع الذي ينزل فيه، والدار وما حولها "والخادم والفرس".

وفي الرواية السادسة عشرة "إنما الشؤم في ثلاثة" أي كائن في ثلاثة، والحصر فيها بالنسبة إلى العادة، لا بالنسبة إلى الحقيقة والخلقة، فالناس يتشاءمون عادة في غيرها كذلك، وإنما خصت هذه الثلاثة بالذكر لطول ملازمتها، قال ابن قتيبة: ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون بكثير من الأمور، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم أن لا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة". اهـ فابن قتيبة يعني أن هذه الأشياء أكثر ما يتطير به الناس، وأنها بقيت في عاداتهم، بعد أن تخلوا عن كثير غيرها، فكأن الحديث يقول: الشؤم والتشاؤم الباقي المستقر عند بعض الناس في المرأة والدار والفرس، فهو إخبار عن واقع، وليس معنى ذلك إقراره والسماح به، يؤيد هذا الوجه ما رواه الطيالسي في مسنده "قيل لعائشة: إن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة؟ فقالت: لم يحفظ، إنه دخل، وهو يقول: قاتل الله اليهود، يقولون: الشؤم في ثلاثة، فسمع آخر الحديث، ولم يسمع أوله" وما رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم من "أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة، فقالا، إن أبا هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الطيرة في الفرس والمرأة والدار فغضبت غضباً شديداً، وقالت: ما قاله، وإنما قال: إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك".

فمعنى الرواية السادسة عشرة على هذا التوجيه: إنما الشؤم الباقي بقدر كبير في نفوس الناس وعاداتهم، في ثلاثة ... والمعنى عليه في الرواية السابعة عشرة، والثامنة عشرة والتاسعة عشرة والمتممة للعشرين: إن يكن الشؤم في شيء ثابتاً وباقياً في عادات الناس ونفوسهم ففي الفرس .. إلخ، فالحديث سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، وليس إخباراً من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك، ولا إقراراً منه له.

وهاجم ابن العربي بشدة هذا التوجيه، فقال: هذا جواب ساقط، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة، وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه. اهـ

والتحقيق أن هذه المهاجمة العنيفة لا مبرر لها، فقد يخبر صلى الله عليه وسلم بواقع يريد تغييره، ولو أن ابن العربي ضم إلى هذا التوجيه "لا طيرة" كما في الرواية السادسة عشرة ما صح هجومه، يشير إلى هذا التحقيق المهلب إذ يقول: إن المخاطب بقوله "الشؤم في ثلاثة" من التزم التطير، ولم يستطع صرفه عن نفسه، فقال لهم: إنما يقع ذلك في هذه الأشياء التي تلازم في غالب الأحوال، فإذا كان كذلك فاتركوها عنكم، ولا تعذبوا أنفسكم بها، ويدل على ذلك تصدير الحديث بنفي الطيرة، واستدل لذلك بما أخرجه ابن حبان عن أنس، رفعه "لا طيرة، والطيرة على من تطير، وإن تكن في شيء ففي المرأة ... " الحديث.

ويدافع الحافظ ابن حجر عن أبي هريرة في هذا فيقول: ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة، مع موافقة آخرين من الصحابة له في ذلك، فالحديث مروي عن ابن عمر، في روايتنا

<<  <  ج: ص:  >  >>