للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار) في الرواية الثانية "وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار" وفي الرواية الثالثة "فإني أنا الدهر، أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما".

قال الخطابي: معناه أنا صاحب الدهر، ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه، الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان، جعل ظرفا لمواقع الأمور، وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه، أضافوه إلى الدهر، فقالوا: بؤسا للدهر، وتبا للدهر.

وقال النووي: قوله "أنا الدهر" بالرفع، وهو مجاز، وذلك أن العرب كانوا يسبون الدهر عند الحوادث، فقال: لا تسبوه، فإن فاعلها هو الله، فكأنه قال: لا تسبوا الفاعل فإنكم إذا سببتموه سببتموني، أو الدهر هنا بمعنى "الداهر" فقد حكى الراغب أن الدهر في قوله "إن الله هو الدهر" (في روايتنا الرابعة) غير "الدهر" في قوله "يسب الدهر" قال: والدهر الأول الزمان، والثاني المدبر المصرف لما يحدث، ثم استضعف الراغب هذا القول لعدم الدليل عليه، ثم قال: لو كان كذلك لعد الدهر من أسماء الله تعالى. اهـ.

فالحاصل أن المراد بقوله "إن الله هو الدهر" أو "أنا الدهر" أي المدبر للأمور، أو الكلام على حذف مضاف، أي أنا صاحب الدهر، أو التقدير: أنا مقلب الدهر، ولذلك عقب بقوله في الرواية الثانية "أقلب الليل والنهار" وفي الرواية الثالثة "أقلب ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما" وعند أحمد "بيدي الليل والنهار، أجدده وأبليه، وأذهب بالملوك"

(يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر) قال القرطبي: معناه يخاطبني من القول بما يتأذى به من يجوز في حقه التأذي، والله منزه عن أن يصل إليه الأذى، وإنما هذا على التوسع في الكلام، والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله تعالى، وقال النووي: معناه يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم.

(ولا يقولن أحدكم للعنب: الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم) وفي الرواية السابعة: "لا تقولوا: كرم، فإن الكرم قلب المؤمن" وفي الرواية الحادية عشرة "لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: الحبلة، يعني العنب" وفي الرواية الثانية عشرة "ولكن قولوا: العنب والحبلة" وفي الرواية الثامنة "لا تسموا العنب الكرم" وعند الطبراني والبزار "إن اسم الرجل المؤمن في الكتب الكرم، من أجل ما أكرمه الله على الخليقة وإنكم تدعون الحائط من العنب الكرم" وقد حكى ابن بطال عن ابن الأنباري أنهم سموا العنب كرما، لأن الخمر المتخذة منه تحث على السخاء، وتأمر بمكارم الأخلاق، حتى قال شاعرهم:

والخمر مشتقة المعنى من الكرم

فلذلك نهي عن تسمية العنب بالكرم، حتى لا يسموا أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم وجعل المؤمن، الذي يتقي شربها، ويرى الكرم في تركها أحق بهذا الاسم، وقال الخطابي ما ملخصه إن المراد بالنهي تأكيد تحريم الخمر، بمحو اسمها، لأن في تبقية هذا الاسم لها تقرير لما كانوا يتوهمونه من تكرم شاربها، فنهى عن تسميتها كرما، وقال "إنما الكرم قلب المؤمن" لما فيه من نور الإيمان،

<<  <  ج: ص:  >  >>