للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: عصره من الناحية الاقتصادية]

الاقتصاد تبع للسياسة دائما، فمتى كان هناك اضطراب في السياسة، تبعه اضطراب في الاقتصاد، لأن المال لا يتحرك إلا في منطقة مستقرة، ولا ينمو إلا فيها، وإذا كانت الاضطرابات، فلا يستفيد منها إلا تجار الحروب، وباعة السلاح وعدةِ الهلاك والدمار.

ولذا فقد كانت مصر في هذه الفترة تعاني من المشكلات الاقتصادية-بالرغم من كون القاهرة والإسكندرية من أهم مراكز التجارة، وكانت الإسكندرية، وبغداد مقياسين لأسعار البضائع العالمية، في ذلك الحين (١)، التي لا حصر لها منذ أيام المعز لدين الله، الذي كان في بداية أمره يهادن الدولة العباسية، فأصهر إلى الخليفة العباسي فزوج ابنته لابن الخليفة، فلما سيرها إلى بغداد، حملها بثلاثمائة جمل، تحمل الأثاث الذهبي مما جعل خزائن الدولة تخلو من الذهب، ثم قامت الاضطرابات.

كانت القاهرة في عهد الفاطميين من أهم مراكز الصناعة، فقد بلغ الطراز مبلغا كبيرا من الرقي، كما ازدهرت فيها صناعة المنسوجات الحريرية، وتتبين لنا مهارة المصريين، وحذقهم في تلك الصناعات. وقد بنى المعز دار الكسوة، حيث كانت تفصِّل الثياب لموظفي الدولة على اختلاف مراتبهم، وهناك أنواع خاصة من الثياب اشتهرت في هذا العصر.

ووقع الغلاء حتى عم الفقر جميع البلاد. فقد قال ابن كثير: قل الرطب جدا، بسبب هلاك النخل في سنة تسع عشرة وأربعمائة، فلم يحج أحد من أهل الديار المصرية (٢)، وبهذا أصبح الناس لا يجدون طعامهم إلا بشق الأنفس، أو عن طريق قيام قلة قليلة من الأغنياء بمساعدة هؤلاء الفقراء، وباختصار كانت الحياة الاقتصادية سيئة، كما أن الزكاة لم توزع حسب تعاليم الإسلام. وخلاصة


(١) حسن، مرجع سابق، ٣/ ٣٦٢، ٣٦٩. شلبي، مرجع سابق، ٥/ ١٦٠.
(٢) ابن كثير، مرجع سابق، ١٢/ ٢٥، ٣١.

<<  <   >  >>