للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما حديث سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لأبد؟ قال: "لأبد" (١)، فمعناه: جواز الاعتمار في أشهر الحج، أو القِران، فالعمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة، كذلك القِران، وفسخ الحج إلى العمرة مختص بتلك السنة، والله أعلم.

وقولُه: "وَمَنْ لَمْ يكنْ أَهْدَى، فَليَطُفْ بِالبيتِ وَبِالصفَا وَالمَروَةِ، وَلْيقصرْ وَلْيَحْلِلْ، ثم لْيُهِلَّ بِالحَجِّ" في هذه الجملة بيان؛ لأن من ساق الهدي لا يتحلل، وهذا متفق عليه، ومن لم يسق الهدي، يجوز له إدخال العمرة على الحج قبل الطواف، ويتحلل منها.

وإن أفعال العمرة هي: الطواف، والسعي، والتقصير أو الحلق، وإنما أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتقصير ليبقى على رأسه ما يحلقه في الحج؛ فإن الحلق في الحج أفضلُ منه في العمرة، ولا شك أنهما جائزان في الحج والعمرة، والحلق أفضل؛ لدعائه - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين بالمغفرة مرتين، وللمقصرين مرة، وكل منهما نسك.

ومعنى قوله: "وَلْيَحْلِلْ"؛ أي: يصير حلالًا، بمعنى أنه يحتاج بعد ذلك إلى تجديد عمرة، أو فعل آخر، قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد القاضي - رحمه الله -: ويحتمل عندي أن يكون المراد بالأمر بالإحلال: هو فعل ما كان حرامًا عليه في حال الإحرام؛ من جهة الإحرام، ويكون الأمر للإباحة، والله أعلم (٢).

وقوله: "ثُم لْيهِلَّ بِالحَجِّ" معناه: يحرم به في وقت الخروج إلى عرفات، لا أنه يهل عقب تحلل العمرة بالحج؛ بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - أتى بـ: "ثم"، التي هي للمهلة والتراخي.


= الهدي، وابن ماجه (٢٩٨٤)، كتاب: المناسك، باب: من قال: كان فسخ الحج لهم خاصة، والإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٤٦٩)، والحاكم في "المستدرك" (٦٢٠١).
(١) رواه مسلم (١٢١٦)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام.
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٣/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>