للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد القاضي - رحمه الله - (١): فأما ما ذكر من اشتراط أن يلتمس البلدي ذلك، فلا يقوى؛ لعدم دلالة اللفظ عليه، وعدم ظهور المعنى فيه؛ فإن الضرر المذكور الذي علل به النهي لا يفترق الحال فيه بين سؤال البلدي وعدمه ظاهرًا، وأما اشتراط أن يكون الطعام مما تدعو الحاجة إليه، فمتوسط في الظهور وعدمه؛ لاحتمال أن يراعى مجرد ربح الناس في هذا الحكم على ما أشعر به التعليل من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوا الناسَ يرزقُ اللهُ بعضَهم من بعضٍ" (٢). وأما اشتراط أن يظهر لذلك المتاع المجلوب سعة في البلد، فكذلك -أيضًا- هو متوسط في الظهور؛ لما ذكرناه من احتمال أن يكون المقصود مجرد تفويت الربح والرزق على أهل البلد.

وهذه الشروط منها ما يقوم الدليل الشرعي عليه؛ كشرطنا العلم بالنهي والإشكال فيه، ومنها ما يوجد باستنباط المعنى، فيخرج على قاعدة أصولية، وهي: أن النص إذا استنبط منه معنى يوعد عليه بالتخصيص، هل يصح أو لا؟ يظهر لك هذا باعتبار ما ذكرناه من الشروط، هذا آخر كلامه، والله أعلم.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا تُصَرُّوا الغَنَمَ"؛ الذي عليه أهل التحقيق من الرواية وأهل اللغة والغريب في ضبط "تُصَرُّوا" أنه بضم التاء وفتح الصاد ونصب لفظة الغنم، مأخوذ من التصرية، وهي الجمع، يقال: صَرَّى يُصَرِّي تصرية، وصرَّاها يُصَرِّيها تصريةً، فهي مُصَرَّاة؛ كغشَّاها يغشِّيها تغشية فهي مُغَشَّاة، وزكاها يزكيها تزكية فهي مُزَكَّاة، وروي في غير الصحيح: "تَصُرُّوا" -بفتح التاء وضم الصاد- من الصرة، ورواه بعضهم "تُصَرُّ" بضم التاء من غير واو الجمع بعد الراء، وبرفع الغنم، على ما لم يُسمَّ؛ فاعله من الصَّرِّ -أيضًا-، وهذا لا يصح رفعه مع اتصال الفاعل، وإنما يصح مع اتصال الفعل، ولا يعلم رواية حذف فيها هذا الضمير.


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (٣/ ١١٥).
(٢) رواه مسلم (١٥٢٢)، كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الحاضر للبادي، عن جابر - رضي الله عنه - مرفوعًا بلفظ: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".

<<  <  ج: ص:  >  >>