للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيع الرُّطَب على رؤوس النخل بقدر كيله من التمر خَرْصًا، فيما دون خمسة أوسق، وبهذا قال أحمد وآخرون، وقال مالك -رحمه الله-: هي أن يعري الرجل؛ أي: يهب ثمرة نخلة أو نخلات، ثم يتضرر بمداخلة الموهوب له، فيشتريها منه بخرصها تمرًا، فلا يجوز ذلك لغير رب البستان.

ويشهد لتأويل مالك شهرةُ تفسيرها بما قاله بين أهل المدينة وتداوله بينهم بذلك، وقد نقله مالك عنهم، وإن قوله في الحديث: "رَخَّصَ لِصَاحِبِ العَرِيَّةِ" يشعر باختصاصه بصفة يتميز بها عن غيره، وهي الهبة الواقعة، وقد أنشدوا في تفسير العرايا بالهبة:

لَيْسَتْ بسنهاءَ وَلاَ رُجَبِيَّة ... وَلَكنْ عَرَايا في السِّنِينَ الجَوَائحِ (١)

وتأولها أبو حنيفة على غير هذا، وظواهر الأحاديث ترده.

وقد تقدم في البيوع المنهي عنها تحريمُ بيع المزابنة، وتفسيرُها، وأن العرايا مستثناة من بيع المزابنة رخصة لحكمةِ حاجة الناس إلى ذلك، ولما كان التمر والزبيب مضبوطين بالكيل، والرطب والعنب بالخرص، فربين إلى الضبط وعدم الخطأ في مقداره غالبًا، ورخص فيه لضرورة الناس إليه، وصورته: أن يخرص الخارص ما على النخلة أو النخلات من الرُّطب إذا يبس، فيقول: هذا الرطب الذي عليها إذا يبس يجني منه ثلاثة أوسق من التمر مثلًا، ويبيعه صاحبه لإنسان بثلاثة أوسق تمر، ويتقابضان في المجلس، فيسلم المشتري التمر، ويسلم بائع الرطب بالتخلية.

وفي هذا الحديث دليل: على وقوع الرخصة في المزابنة في الرطب والعنب بالتمر والزبيب، وأنه لا يتعدى إلى غيرهما من الثمار، وللشافعي -رحمه الله تعالى- قول: إن الرخصة تتعدى إلى غيرهما، حيث إن العلة فيهما الحاجة، وهي موجودة في غيرهما، لكن الأصل عدم الجواز شرعًا، ووقت


(١) انظر: "مجالس ثعلب" (١/ ٧٦) ونسبه هناك إلى أبي العباس سويد بن الصامت الأنصاري.
وانظر: "لسان العرب" (مادة: رجب).

<<  <  ج: ص:  >  >>