للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرعنا، لا على القبلة المنسوخة، ولأن النهي في الكعبة عن الاستقبال والاستدبار في محلِّه على ما فيه من الخلاف، وسيأتي، فلا يجوز أن تكون للجنس في القبلتين، بل للعهد، والله أعلم، ثم إنّ النهي في استقبال الكعبة واستدبارها للتحريم في الصحراء والبنيان، وهو قولُ أبي أيوبَ الأنصاري راوي هذا الحديث، ومجاهد، وإبراهيم والنخعي التابعيين، وسفيان الثوري، وأبي ثور، وأحمد في رواية، وهؤلاء حملوا النَّهي على العموم، وجعلوا العلَّة فيه للتَّعظيم والاحترام للقبلة؛ لأنَّه معنًى مناسبٌ، ورد النَّهي على وقفه، فتكون علَّةً له.

وقد رُويَ من حديثِ سُراقةَ بنِ مالك، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: "إِذَا أتَى أَحَدُكُمُ البَرَازَ، فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ الله -عَزَّ وَجلَّ-" (١)، وهذا ظاهر قوي في هذا التعليل، [فلا فرقَ فيه بين الصحراء والبُنيان] (٢)، ولو كان الحائلُ كافيًا في جوازه في البنيان، لكانَ في الصَّحراء [من] (٣) الجبال والأودية ما هو أكفى.

وفيه مذهب ثانٍ: أنهما جائزان مطلقًا، وهو قولُ: عروةَ بن الزبير، وربيعةَ الرَّأْيِ شيخِ مالك، وداودَ الظَّاهريِّ، ورأى هؤلاءِ حديثَ أبي أيوبَ منسوخًا، وزعموا أن ناسخَه حديثُ مجاهدٍ عن جابرٍ - رضي الله عنه - قال: نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نستقبلَ القبلةَ ببولٍ، فرأيتُهُ قبلَ أن يُقبَضَ بعامٍ يستقبلُها، وهو حديثٌ حسنٌ بلا شكٍّ، رواه أبو داود، والتّرمذي، وابنُ ماجَهْ، والحاكمُ في "مستدركه"، وقال: صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ (٤)، والصَّوابُ أنه حسنٌ ليس على


= ماجه (٣١٩)، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن استقبال القبلة بالغائط والبول، والإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٢١٠).
(١) رواه الخطابي في "غريب الحديث" (٢/ ٥٥٩)، وذكر الزيلعي في "نصب الراية" (٢/ ١٠٣): أن الطبري أخرجه في "تهذيب الآثار"، ونسبه ابن حجر في "تلخيص الحبير" (١/ ١٠٥)، إلى الدارمي.
(٢) ما بين معكوفين ليس في "ح".
(٣) ما بين معكوفين ليس في "ح".
(٤) رواه أبو داود (١٣)، كتاب: الطهارة، باب: الرخصة في ذلك، والترمذي (٩)، كتاب:=

<<  <  ج: ص:  >  >>