للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "أَوّه! عَيْنُ الرّبَا"، أَما أَوَّهْ: فقال أهل اللغة: هي كلمة توجُّع وتحزُّن، وأَمّا: "عَيْنُ الرِّبَا"؛ وتكرارها مرتين: فمعناه: أنه حقيقة الربا المحرم، وأَكَّده بالتكرار.

وفي أَوهْ لغات: أفصحهن: فتح الهمزة والواو المشددة والهاء ساكنة، ويقال بالهاء منصوبة منونة، ويقال أَوه: بإسكان الواو وكسر الهاء منوَّنة وغير منوَّنة، ويقال: أَوٍّ: بتشديد الواو مكسورة منونة بلا هاء، ويقال: آهٍ، بمد الهمزة وتنوين الهاء مكسورة من غير واوٍ (١).

وروى مسلم في "صحيحه"من حديث أبي سعيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمن اشترى صاعًا بصاعين: "هَذَا الرِّبَا فَرُدُّوهُ" (٢)، وفي حديث الكتاب هذا: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بلالًا بردِّه، بل نَهاهُ عن فعله، وأمره أن يبيعَ التمر ببيع آخر، ثم يشتري به، فيحتمل أنهما واقعتان، أمر فيهما بأمرين، وليس بظاهر، بل الظاهر أنها واقعة واحدة، أمر فيها برده، فبعض الرواة حفظ الرد، وبعضهم لم يحفظه، والزيادة من الثقة مقبولة.

وليس في حديث بلال في الكتاب ما ينافي الرد، بل مقتضى نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن فعله، يلزم منه الرد؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما أمره ببيع التمر ببيع آخر، ثم اشترائه، لزم منه ردُّه على بائعه، واسترداد ثمنه، وهي الصاعان من الرديء، ثم اشتراء التمر من البائع أو غيره ببيع آخر، إما في الذمة، وإما بتقويم الرديء بثمن غير ربوي، ثم اشترائه به، ولم يكن شيء من ذلك، ولم تثبت رواية الردِّ، فيحمل حديث بلال هذا على أنه جُهل بائعُهُ، ولا يمكن معرفته، فصار مالًا ضائعًا لمن عليه دين بقيمته، وهو التمر الرديء الذي قبضه عوضًا عن الصاعين الرديئين، وحينئذٍ لا يبقى فيه إشكال ولا معارضة، والله أعلم.


(١) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (٢/ ٣٣٩)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ٥٢)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ٨٢)، و"شرح مسلم" للنووي (١١/ ٢٢).
(٢) رواه مسلم (١٥٩٤)، (٣/ ١٢١٦)، كتاب: المساقاة، باب: بيع الطعام مثلًا بمثل.

<<  <  ج: ص:  >  >>