للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وفي بُضعِ أَحَدِكُم صدقةٌ" (١)؛ فإن ذلك عند الإطلاق يقتضي حصولَ الأجر بمجرد إتيانه شهوته من غير قصد إلى شيء ممَّا ذكر، لكنه لما ثبت في الصحيح ذكرُ النفقة على الأهل والعيال يحتسبها، احتجنا إلى تقييدها بالنية؛ حيث إن الاحتساب لا يحصل إلَّا بالنية، والله أعلم.

قولُه: "فقلت: يا رَسُولَ اللهِ! أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابي، قالَ: إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عمَلًا تَبْتَغي بهِ وَجهَ اللهِ تعالى إلَّا ازددْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفعَةً"؛ معناه: أخلف بعد أصحابي بمكة، وإنَّما قال ذلك؛ إشفاقًا من موته بمكة؛ لكونه هاجر منها وتركها لله تعالى؛ خشية أن يقدح تخلفه بعذر المرض في هجرته، أو في ثوابه عليها، أو خشية بقائه بمكة بعد انصراف النَّبيّ - صَلَّى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة، وتخلُّفه عنهم بسبب المرض؛ فإنهم كانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى، وقد جاء في رواية أخرى: "أخلف عن هجرتي؟ " (٢)، قال القاضي عياض - رحمه الله -: قيل: كان حكم الهجرة باقيًا بعد الفتح؛ لهذا الحديث، وقيل: إنَّما كان ذلك لمن كان هاجر قبل الفتح، فأمَّا من هاجر بعده، فلا (٣).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَعَلَّكَ أَنَّ نُخَلَّفَ حَتَّى يَتنَفعَ بِكَ أَقوَامٌ، أَوْ يُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ"؛ المراد بالتخلُّف الذي ذكره النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم -: طولُ العمر والبقاءُ في الحياة بعدَ جماعات من الصحابة، وكان كذلك، فعاش - رضي الله عنه -، وفتح العراقَ، وغيره، وانتفع به أقوامٌ في دينهم ودنياهم، وتضرَّر به الكفار في دينهم ودنياهم؛ فإنهم قتلوا على الكفر، وحُكم لهم بالنار، وسُبيت نساؤهم وأولادهم، وغُنمت أموالهم وديارهم، وولي العراقَ، فاهتدى على يديه خلائق، [و] تضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم، وقد قال بعض العلماء من أهل المعرفة: لعل معناها:


(١) رواه مسلم (١٠٠٦)، كتاب: الزكاة، باب: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، عن أبي ذر - رضي الله عنه -.
(٢) رواه البُخاريّ (٦٣٥٢)، كتاب: الفرائض، باب: ميراث البنات.
(٣) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١١/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>