للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الثالث]

عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلاَءِ وَهِبَتِهِ (١).

الوَلاَء؛ بفتح الواو وبالمد، وحقيقته: حقٌّ يثبت بوصف؛ وهو الإعتاق، فلا يقبل النقل إلى الغير بوجه من الوجوه؛ لأنَّ ما ثبت بوصف يدوم بدوامه، ولا يستحقه إلَّا من قام به ذلك الوصف.

وقد شبَّه النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - الوَلاءَ بالنَّسَبِ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "الوَلاَء لُحْمَةٌ كلحمةِ النسبِ" (٢)، فكما لا يقبل النسب النقلَ بالبيع والهبة، فكذلك الولاء.

وفي الحديث دليل: على تحريم بيع الولاء، وفي معناه كل تصرَّف يقبل النقل، فلو باعه أو وَهَبَهُ، لم يصح، ولا ينتقل عن مستحقه، وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف، واختار بعض السلف نقله، ولعله لم يبلغهم الحديث، والله أعلم.

ولَعنُ النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - من تولى غيرَ مواليه، ونهيُه أن يتولى العتيقُ غيرَ مواليه يدلُّ ذلك جميعه على تأكيد التحريم في ذلك، سواء رضي الموالي بذلك، أم لم يرضوا؛ لأنَّه حقٌّ أثبته الشرع، فيحرم تضييعه؛ كالنسبة، وتقييده - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحاديث من تولى قومًا بغير إذن مواليه، هو تقييدٌ خرج على الغالب؛ لأنَّ التولي إلى غير الموالي غالبًا إنَّما يكون بغير إذنهم، فلا يكون له مفهوم يعمل به، وفي الكتاب العزيز من ذلك؛ لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣]، وقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: ٣١]،


(١) رواه البُخاريّ (٢٣٩٨)، كتاب: العتق، باب: بيع الولاء وهبته، ومسلم (١٥٠٦)، كتاب: العتق، باب: النَّهي عن بيع الولاء وهبته.
(٢) رواه الإمام الشَّافعي في "مسنده" (ص: ٣٣٨)، وابن حبان في "صحيحه" (٤٩٥٠)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (١٣١٨)، والحاكم في "المستدرك" (٧٩٩٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٩٢)، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>