للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتخيير لا يكون بين واجب وغيره، ولا يصح عند جميع الأصوليين؛ حيث يؤدي إلى إبطال حقيقة الواجب؛ وأن تاركه لا يكون آثمًا، وكان من أوجبه مطلقًا، جعله تعبدًا من الشرع لحكمة التنزيه له - سبحانه وتعالى - بالانفراد بالوحدانية، وعدم اتخاذ الصاحبة والولد - تبارك الله وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبيرًا -، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لكنِّي آتي النِّسَاء، فَمَنْ رَغبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (١)، وقد حمله الجمهور على الرغبة عن السنة إعراضًا عنها وعدم اعتقاد لما هي عليه، أما من أعرض عنها لمعارض لها من السنة أرجحَ منها، فلا، وقد فعل ذلك - صلى الله عليه وسلم - في عدم هدم الكعبة، وجعل بابين لها متواطئين؛ مراعاة لمعارض أرجحَ منه في نظره - صلى الله عليه وسلم -.

وقسمه أصحاب الشافعي - رحمهم الله - في فعله وتركه، أيهما أفضل؟ إلى أربعة أقسام:

أحدها: من تتوق إليه نفسه، ويجد مؤنته، فيستحب له فعله.

الثاني: عكسه: لا تتوق إليه، ولا يجد مؤنته، فيكره له.

الثالث: لا تتوق، ويجد المؤن؛ فقال الشافعي، وجمهور أصحابه: ترك النكاح والتخلي للعبادة له أفضل، ولا يقال: النكاح له مكروه، بل تركه أفضل، وقال أبو حنيفة وبعض الشافعية والمالكية: النكاح له أفضل.

الرابع: عكسه: تتوق إليه نفسه، ولا يجد المؤن، فيكره له، ويؤمر بالصوم؛ لتوقانه إليه.

وقد استدل بعض العلماء من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦)} [المؤمنون: ٥ - ٦] على أن ترك النكاح أفضل مطلقًا.

قال: لأنه لا يقال لمن تزوج أو تسرى بعد وصفه - سبحانه وتعالى - المؤمنين الحافظين فروجهم بالفلاح: غير ملومين؛ لرجحان التزوج أو التسري؛


(١) سيأتي تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>