للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَا عَيْنُ جُودِي بِدَمْعٍ غَيْرِ مَمْنُونِ ... عَلَى رَزِيَّةِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ

على امْرئٍ باتَ في رِضوانِ خَالِقِهِ ... طُوبى لَهُ مِنْ مقيد الشخصِ مَدْفُونِ

طابَ البقيعُ لَهُ سُكْنَى وغَرْقَدُهُ ... وأَشْرَقَتْ أَرْضُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيينِ

وأَوْرَثَ القلبَ حُزْنًا لَا انقطَاعَ لَهُ ... حتَّى المَمَاتِ فَمَا ترقى لَهُ شُوني (١)

وأمَّا التَّبَتُّل: فهو ترك النكاح انقطاعًا إلى عبادة الله تعالى.

وأصل التبتل: القطع، ومنه قيل لمريم: البتول، ولفاطمة - عليها السلام -: البتول؛ لانقطاعهما عن نساء زمانهما؛ دينًا وفضلًا ورغبة في الآخرة، ومنه: صدقة بتلة؛ أي: منقطعة عن تصرف مالكها.

وقال الطبري: التبتل: هو ترك لذات الدنيا وشهواتها، والانقطاعُ إلى الله تعالى، بالتفرغ لعبادته، ومعنى رد عليه التبتل: نهاه (٢).

ولا شك أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ردَّه عليه؛ لأمور زائدة على مجرد التخلي للعبادة مما هو داخل في باب التنطع والتشبيه بالرهبانية؛ لا أن ظاهر الحديث، يقتضي تعليق الحكم بمسمى التبتل؛ فإن التبتل القاطع عن الحقوق الواجبة؛ من حقِّ زوجة وغيرها، أو المضر بالشخص، فإنه ممنوع.

وأما التَّبتل الحامل على الأغراض من الشهوات واللذات من غير إضرار بنفسه، ولا تفويت حق لزوجة، ولا غيرها، ففضيلة لا منع منه، بل هو مأمور به، وهو معنى قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: ٨]؛ أي:


(١) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (١/ ١٠٦). وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (٣/ ٣٩٣)، و "التاريخ الكبير" للبخاري (٦/ ٢١٠)، و "الثقات" لابن حبان (٣/ ٢٦٠)، و "المستدرك" للحاكم (٣/ ٢٠٩)، و "حلية الأولياء" لأبي نعيم (١/ ١٠٢)، و" الاستيعاب" لابن عبد البر (٣/ ١٠٥٣)، و "صفة الصفوة" لابن الجوزي (١/ ٤٤٩)، و "أسد الغابة" لابن الأثير (٣/ ٥٨٩)، و "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (١/ ٣٠٠)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (١/ ١٥٣)، و "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (٤/ ٤٦١)، و "تعجيل المنفعة" له أيضًا (ص: ٢٨٣).
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٩/ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>