للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لنا أن ننكح المرأة بالثوب، إلى أجل (١)، ولولا معرفة علي بن أبي طالب بذلك، وأن النهي وقع بعد الرخصة آخرًا؛ لما أنكر الإباحة على ابن عباس.

وقد جمع القاضي عياض - رحمه الله - بين الروايات، في الإباحة والتحريم، فقال: يحمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر، وفي عمرة القضاء، ويوم الفتح، ويوم أوطاس: أنه جدد النهي عنها في هذه المواطن؛ لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه، بل هو ثابت من رواية الثقات الأثبات، لكن في رواية سفيان بن عيينة: أنه نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فتكون الإباحة لها بعده للضرورة بعد التحريم، ثم حرمت تحريمًا مؤبدًا، ويكون تحريمها يوم حجة الوداع تأكيدًا وإشاعة له، لا تحريم نسخ؛ لضرورة الإباحة يوم فتح مكة؛ فإنه صحَّ أنه أباحها فيه، ثم حرمها.

وتكون رواية إباحتها يوم حجة الوداع ساقطة؛ لما ذكرنا من عدم الاحتياج إليها؛ حيث إن أكثرهم كان معهم نساؤهم، وقول الحسن: إنها كانت في عمرة القضاء، لا قبلها ولا بعدها، مردود؛ بالأحاديث الثابتة في الكتاب وغيره، من تحريمها يوم خيبر، وهي قبل عمرة القضاء.

وما روي من الإباحة يوم فتح مكة ويوم أوطاس، فهي مختلفة عن راو واحد، وهو سبرة بن معبد، فيترك ما خالف الصحيح منها، ويثبت ما وافقه. وهذا بعض معنى كلام القاضي، وقال أيضًا: وقد قال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين.

وقال شيخنا الإمام أبو زكريا النووي - قدس الله روحه -: والصواب المختار: أن التحريم والإباحة كانا مرتين: فكانت حلالًا قبل خيبر، ثم حُرمت يوم خيبر، ثم أُبيحت يوم فتح مكة، وهو يوم أوطاس؛ لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم، ولا يجوز


(١) رواه البخاري (٤٧٨٧)، كتاب: النكاح، باب: ما يكره من التبتل والخصاء، ومسلم (١٤٠٤)، كتاب: النكاح، باب: نكاح المتعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>