للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجب تقريبه والوصول إليه بكل طريق ممكن، والحكمة في كونه كذلك؛ لأجل معرفة الدرجات، وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، وهذا كلُّه بالنسبة إلى حكم الشرع مجردًا.

وأما العمل به للثبوت عند الحكام، وترتيب الحكم عندهم بالثبوت بالأقارير والبينات، فإن علموا ما ثبت مخالفًا لحكم الله تعالى، حرم عليهم ثبوتُه وترتيبُ حكمهم عليه، وإن لم يعلموا ذلك، ولم يحصل في قلوبهم ريبة فيه، شاع لهم الثبوت والحكم بالطلب الصحيح من غير أولي الرتب.

واعلم أن الله تعالى لما أرسل الرسل، وأنزل الكتب عليهم، وأمر الأمم بطاعتهم، واتباع ما في الكتب، ضلَّت اليهود، وغيرَّت وكتمت وبدَّلت، وقالت: لم نكلَّف إلا ما ظهر لنا منها، ولم نكلف بما يظن منها، وكفروا بذلك، {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: ٦١].

ولما تكرر ذلك منهم، بعث الله تعالى عيسى - صلى الله عليه وسلم - بالإنجيل؛ مصدقًا للتوراة، وحكمًا ومواعظ وأحكامًا قلبية ملينة للقلوب، وأمرهم بالعمل بالتوراة، فضلَّت النصارى، واعتمدت على العمل بالقلوب دون الجوارح، وهو المراد بقول العلماء: علم الباطن، وأهملوا أحكام الظواهر، وكفروا بذلك، فبعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن العظيم، تبيانًا لكل شيء، وجعل - سبحانه وتعالى - إليه - صلى الله عليه وسلم - البيانَ ظاهرًا وباطنًا، وأمره - سبحانه وتعالى - وأمته بالاستقامة، فقال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: ١١٢]، وقال - صلى الله عليه وسلم - لرجل قال له: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: "قُلْ آمنتُ باللهِ ثم استقم" (١)؛ أي: استقم على أمر الله ظاهرًا وباطنًا.

فقول الفقهاء: يشترط ثبوت العدالة في الظاهر والباطن، ويقول: نفذ الحكم في الظاهر دون الباطن، وعكسه، ومن أنكر وجوب أمر الله تعالى في الظاهر أو


(١) رواه مسلم (٣٨)، كتاب: الإيمان، باب: جامع أوصاف الإسلام، عن سفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>